خاتمه ، وحلّ رباطه عنها.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩))
ذكر سبحانه في أول هذه السورة المؤمنين الخلّص ، ثم ذكر بعدهم الكفرة الخلّص ، ثم ذكر ثالثا المنافقين ، وهم الذين لم يكونوا من إحدى الطائفتين ، بل صاروا فرقة ثالثة لأنهم وافقوا في الظاهر الطائفة الأولى وفي الباطن الطائفة الثانية ، ومع ذلك فهم أهل الدرك الأسفل من النار. وأصل ناس أناس حذفت همزته تخفيفا ، وهو من النوس وهو الحركة ، يقال : ناس ينوس : أي تحرّك ، وهو من أسماء الجموع جمع إنسان وإنسانة على غير لفظه ، واللام الداخلة عليه للجنس ، ومن تبعيضية : أي بعض الناس ، ومن موصوفة : أي ومن الناس ناس يقول. والمراد باليوم الآخر : الوقت الذي لا ينقطع ، بل هو دائم أبدا. والخداع في أصل اللغة : الفساد ، حكاه ثعلب عن ابن الأعرابي ، وأنشد :
أبيض اللّون رقيق (١) طعمه |
|
طيّب الرّيق إذا الرّيق خدع |
وقيل : أصله الإخفاء ، ومنه مخدع البيت الذي يحرز فيه الشيء ، حكاه ابن فارس وغيره.
والمراد من مخادعتهم لله أنهم صنعوا معه صنع المخادعين ، وإن كان العالم الذي لا يخفى عليه شيء لا يخدع.
وصيغة فاعل تفيد الاشتراك في أصل الفعل ، فكونهم يخادعون الله والذين آمنوا يفيد أن الله سبحانه والذين آمنوا يخادعونهم. والمراد بالمخادعة من الله ؛ أنه لما أجرى عليهم أحكام الإسلام مع أنهم ليسوا منه في شيء ، فكأنّه خادعهم بذلك كما خادعوه بإظهار الإسلام وإبطان الكفر مشاكلة لما وقع منهم بما وقع منه. والمراد بمخادعة المؤمنين لهم : هو أنهم أجروا عليهم ما أمرهم الله به من أحكام الإسلام ظاهرا وإن كانوا يعلمون فساد بواطنهم ، كما أن المنافقين خادعوهم بإظهار الإسلام وإبطان الكفر. والمراد بقوله تعالى : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) الإشعار بأنهم لما خادعوا من لا يخدع كانوا مخادعين أنفسهم ، لأن الخداع إنما يكون مع من لا يعرف البواطن. وأما من عرف البواطن فمن دخل معه في الخداع فإنما يخدع نفسه وما يشعر بذلك ، ومن هذا قول من قال : من خادعته فانخدع لك فقد خدعك. وقد قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (يُخادِعُونَ) في الموضعين ، وقرأ حمزة وعاصم والكسائي وابن عامر في الثاني (يَخْدَعُونَ). والمراد بمخادعتهم أنفسهم : أنهم يمنونها الأمانيّ الباطلة وهي كذلك تمنيهم. (وَما يَشْعُرُونَ) قال أهل اللغة : شعرت بالشيء فطنت. قال في الكشاف : والشعور علم الشيء علم حس ، من الشعار. ومشاعر الإنسان : حواسه. والمعنى : أن لحوق ضرر ذلك لهم كالمحسوس ، وهم لتمادي غفلتهم كالذي لا حسّ له. والمراد بالأنفس هنا ذواتهم ، لا
__________________
(١). في القرطبي «لذيذ» والبيت قاله سويد بن أبي كاهل يصف ثغر امرأة.