إنكاري. والضمير في قوله : (مِنْ بَعْدِهِ) راجع إلى الخذلان المدلول عليه بقوله : (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) أو إلى الله ، ومن علم أنه لا ناصر له إلا الله سبحانه ، وأن من نصره الله لا غالب له ، ومن خذله لا ناصر له ، فوّض أموره إليه ، وتوكل عليه ، ولم يشتغل بغيره ، وتقديم الجار والمجرور على الفعل في قوله : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) : لإفادة قصره عليه. قوله : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) أي ما صح له ذلك لتنافي الغلول والنبوّة. قال أبو عبيد : الغلول : من المغنم خاصة ، ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد ، ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة : أغلّ يغلّ ، ومن الحقد : غلّ يغلّ بالكسر ، ومن الغلول : غلّ يغلّ بالضم ؛ يقال : غلّ المغنم غلولا ، أي : خان بأن يأخذ لنفسه شيئا يستره على أصحابه ؛ فمعنى الآية على القراءة بالبناء للفاعل : ما صح لنبيّ أن يخون شيئا من المغنم ، فيأخذه لنفسه من غير اطلاع أصحابه. وفيه تنزيه الأنبياء عن الغلول. ومعناها على القراءة بالبناء للمفعول : ما صحّ لنبيّ أن يغله أحد من أصحابه ، أي : يخونه في الغنيمة ، وهو على هذه القراءة الأخرى : نهي للناس عن الغلول في المغانم ؛ وإنما خص خيانة الأنبياء مع كون خيانة غيرهم من الأئمة والسلاطين والأمراء حراما ، لأن خيانة الأنبياء أشدّ ذنبا وأعظم وزرا (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : يأت به حاملا له على ظهره ، كما صح ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، فيفضحه بين الخلائق ، وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول ، والتنفير منه ، بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد ، يطلع عليها أهل المحشر ، وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملا له ، قبل أن يحاسب عليه يعاقب عليه. قوله : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أي : تعطي جزاء ما كسبت وافيا من خير وشرّ ، وهذه الآية تعمّ كل من كسب خيرا أو شرا ، ويدخل تحتها الغالّ دخولا أوليا ، لكون السياق فيه. قوله : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) الاستفهام للإنكار ، أي : ليس من اتبع رضوان الله في أوامره ونواهيه فعمل بأمره واجتنب نهيه كمن باء ، أي : رجع بسخط عظيم كائن من الله ، بسبب مخالفته لما أمر به ونهي عنه ، ويدخل تحت ذلك ، من اتبع رضوان الله بترك الغلول واجتنابه ، ومن باء بسخط من الله بسبب إقدامه على الغلول. ثم أوضح ما بين الطائفتين من التفاوت فقال : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) أي : متفاوتون في الدرجات ؛ والمعنى : هم ذوو درجات ، أو : لهم درجات ، فدرجات من اتبع رضوان الله ليست كدرجات من باء بسخط من الله ، فإن الأوّلين في أرفع الدرجات. والآخرين في أسفلها. قوله : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) جواب قسم محذوف ، وخص المؤمنين لكونهم المنتفعين ببعثته. ومعنى : (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أنه عربيّ مثلهم ؛ وقيل : بشر مثلهم ، ووجه المنة على الأوّل : أنهم يفقهون عنه ، ويفهمون كلامه ، ولا يحتاجون إلى ترجمان. ومعناها على الثاني : أنهم يأنسون به بجامع البشرية ، ولو كان ملكا لم يحصل كمال الأنس به لاختلاف الجنسية ، وقرئ : (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) بفتح الفاء ، أي : من أشرفهم لأنه من بني هاشم ، وبنو هاشم أفضل قريش ، وقريش أفضل العرب ، والعرب أفضل من غيرهم ، ولعلّ وجه الامتنان على هذه القراءة : أنه لما كان من أشرفهم كانوا أطوع له وأقرب إلى تصديقه ، ولا بد من تخصيص المؤمنين في هذه الآية بالعرب على الوجه الأوّل ، وأما على الوجه الثاني : فلا حاجة إلى هذا التخصيص ،