مما تجمعون أيها المسلمون من الدنيا ومنافعها ، على قراءة من قرأ : بالفوقية. والمقصود في الآية : بيان مزية القتل أو الموت في سبيل الله ، وزيادة تأثيرهما في استجلاب المغفرة والرحمة. قوله : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ) على أيّ وجه ، حسب تعلق الإرادة الإلهية (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) هو جواب القسم المدلول عليه باللام الموطئة ، سادّ مسدّ جواب الشرط ، كما تقدم في الجملة الأولى : أي : إلى الربّ الواسع المغفرة تحشرون ، لا إلى غيره ، كما يفيده تقديم الظرف على الفعل ، مع ما في تخصيص اسم الله سبحانه بالذكر من الدلالة على كمال اللطف والقهر. وما في قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) مزيدة للتأكيد ، قال سيبويه وغيره ؛ وقال ابن كيسان : إنها نكرة في موضع جرّ بالباء ، ورحمة : بدل منها ، والأوّل أولى بقواعد العربية ، ومثله : قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) والجار والمجرور متعلق بقوله : (لِنْتَ لَهُمْ) وقدّم عليه لإفادة القصر ، وتنوين رحمة للتعظيم ؛ والمعنى : أنّ لينه لهم ما كان إلا بسبب الرحمة العظيمة منه ؛ وقيل : إن : ما ، استفهامية ، والمعنى : فبأيّ رحمة من الله لنت لهم؟ وفيه معنى التعجيب وهو بعيد ، ولو كان كذلك لحذف الألف من ما ؛ وقيل : فبم رحمة من الله. والفظّ : الغليظ الجافي. وقال الراغب : الفظّ هو الكريه الخلق ، وأصله : فظظ ، كحذر. وغلظ القلب : قساوته ، وقلة إشفاقه ، وعدم انفعاله للخير. والانفضاض : التفرّق ، يقال : فضضتهم فانفضوا ، أي : فرّقتهم فتفرّقوا ، والمعنى : لو كنت فظا غليظ القلب لا ترفق بهم لتفرّقوا من حولك ، هيبة لك ، واحتشاما منك ، بسبب ما كان من توليهم ، وإذا كان الأمر كما ذكر (فَاعْفُ عَنْهُمْ) فيما يتعلق بك من الحقوق (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) الله سبحانه فيما هو إلى الله سبحانه (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) أي : الذي يرد عليك ، أيّ أمر كان مما يشاور في مثله ، أو في أمر الحرب خاصة ، كما يفيده السياق ، لما في ذلك من تطييب خواطرهم واستجلاب مودّتهم ، ولتعريف الأمة بمشروعية ذلك ، حتى لا يأنف منه أحد بعدك. والمراد هنا : المشاورة في غير الأمور التي يرد الشرع بها. قال أهل اللغة : الاستشارة مأخوذة من قول العرب : شرت الدابة وشورتها : إذا علمت خبرها ؛ وقيل : من قولهم : شرت العسل : إذا أخذته من موضعه. قال ابن خويز منداد : واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون ، وفيما أشكل عليهم من أمور الدنيا ، ومشاورة وجوه الجيش ، فيما يتعلق بالحرب ، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ، ووجوه الكتاب والعمال والوزراء فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها. وحكى القرطبي عن ابن عطية : أنه لا خلاف في وجوب عزل من لا يستشير أهل العلم والدين. قوله : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي : إذا عزمت عقب المشاورة على شيء ، واطمأنت به نفسك ، فتوكل على الله في فعل ذلك ، أي : اعتمد عليه وفوّض إليه ؛ وقيل : إن المعنى : فإذا عزمت على أمر أن تمضي فيه ، فتوكل على الله لا على المشاورة. والعزم في الأصل : قصد الإمضاء أي : فإذا قصدت إمضاء أمر فتوكل على الله. وقرأ جعفر الصادق ، وجابر بن زيد : «فإذا عزمت» : بضم التاء ، بنسبة العزم إلى الله تعالى ، أي : فإذا عزمت لك على شيء ، وأرشدتك إليه ، فتوكل على الله. وقوله : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) جملة مستأنفة ، لتأكيد التوكل ، والحثّ عليه. والخذلان : ترك العون ، أي : وإن يترك الله عونكم (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) وهذا الاستفهام :