(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨) فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠) وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣) لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤))
قوله : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) هم المنافقون الذين قالوا : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا. قوله : (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) في النفاق أو في النسب ، أي : قالوا لأجلهم (إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) إذا ساروا فيها للتجارة أو نحوها ؛ قيل : إن إذا هنا المفيدة لمعنى الاستقبال : بمعنى إذ المفيدة لمعنى المضيّ ؛ وقيل : هي على معناها ، والمراد هنا حكاية الحال الماضية. وقال الزجاج : إذا هنا تنوب عن ما مضى من الزمان وما يستقبل (أَوْ كانُوا غُزًّى) جمع غاز ، كراكع وركع ، وغائب وغيب ، قال الشاعر :
قل للقوافل والغزيّ إذا غزوا (١)
(لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) اللام متعلقة بقوله : (قالُوا) أي : قالوا ذلك واعتقدوه ليكون حسرة في قلوبهم. والمراد : أنه صار ظنهم أنهم لو لم يخرجوا ما قتلوا حسرة ، أو متعلقة بقوله : (لا تَكُونُوا) أي : لا تكونوا مثلهم في اعتقاد ذلك ، ليجعله الله حسرة في قلوبهم فقط دون قلوبكم ؛ وقيل : المعنى : لا تلتفتوا إليهم ليجعل الله عدم التفاتكم إليهم حسرة في قلوبهم ؛ وقيل : المراد : حسرة في قلوبهم يوم القيامة لما فيه من الخزي والندامة (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) فيه ردّ على قولهم ، أي : ذلك بيد الله سبحانه يصنع ما يشاء ويحكم ما يريد ، فيحيي من يريد ، ويميت من يريد من غير أن يكون للسفر أو الغزو أثر في ذلك ، واللام في قوله : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ) موطئة. وقوله : (لَمَغْفِرَةٌ) جواب القسم سادّ مسدّ جواب الشرط ، والمعنى : أن السفر والغزو ليسا مما يجلب الموت ، ولئن وقع ذلك فبأمر الله سبحانه (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أي : الكفرة من منافع الدنيا وطيباتها مدّة أعمارهم ، على قراءة من قرأ : بالياء التحتية ، أو خير
__________________
(١). هو صدر بيت لزياد الأعجم ، وعجزه : والباكرين وللمجدّ الرّامح.