وقوله : (يَقُولُونَ) بدل من «يظنون» ، أي : يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) أي : هل لنا من أمر الله نصيب ، وهذا الاستفهام معناه : الجحد ، أي : ما لنا شيء من الأمر. وهو النصر والاستظهار على العدوّ ؛ وقيل : هو الخروج ، أي : إنما خرجنا مكرهين ، فردّ الله سبحانه ذلك عليهم بقوله : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) وليس لكم ولا لعدوّكم منه شيء ، فالنصر بيده والظفر منه. وقوله : (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) أي : يضمرون في أنفسهم النفاق ولا يبدون لك ذلك ، بل يسألونك سؤال المسترشدين. وقوله : (يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) استئناف ، كأنه قيل : ما هو الأمر الذي يخفون في أنفسهم؟ فقيل : يقولون فيما بينهم ، أو في أنفسهم (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) أي : ما قتل من قتل منا في هذه المعركة ، فردّ الله سبحانه ذلك عليهم بقوله : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) أي : لو كنتم قاعدين في بيوتكم لم يكن بدّ من خروج من كتب عليه القتل إلى هذه المصارع الي صرعوا فيها ، فإن قضاء الله لا يردّ. وقوله : (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) علة لفعل مقدّر قبلها ، معطوفة على علل له أخرى مطوية للإيذان بكثرتها ، كأنه قيل : فعل ما فعل لمصالح جمة (وَلِيَبْتَلِيَ) إلخ ؛ وقيل : إنه معطوف على علة مطوية لبرز ، والمعنى : ليمتحن ما في صدوركم من الإخلاص ، وليمحص ما في قلوبكم من وساوس الشيطان. قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) أي : انهزموا يوم أحد ، وقيل المعنى : إن الذين تولوا المشركين يوم أحد (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) استدعى زللهم بسبب بعض ما كسبوا من الذنوب التي منها مخالفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) لتوبتهم واعتذارهم.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : أمنهم الله يومئذ بنعاس غشاهم ، وإنما ينعس من يأمن. وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره أن أبا طلحة قال : غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد ، فجعل سيفي يسقط من يدي ، وآخذه ويسقط ، وآخذه فذلك قوله : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) الآية. وأخرج الترمذي ، وصححه ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في الدلائل عن الزبير بن العوّام قال : رفعت رأسي يوم أحد ، فجعلت أنظر ، وما منهم من أحد إلا وهو يميل تحت حجفته من النعاس ، وتلا هذه الآية. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن جريج قال : إن المنافقين قالوا لعبد الله بن أبيّ ، وكان سيد المنافقين : قتل اليوم بنو الخزرج ، فقال : وهل لنا من الأمر شيء ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله : (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) قال : ظنّ أهل الشرك. وأخرج ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : معتب هو الذي قال يوم أحد : لو كان لنا من الأمر شيء. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أن الذي قال ذلك : عبد الله بن أبيّ. وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن عوف في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) قال : هم ثلاثة واحد من المهاجرين ، واثنان من الأنصار. وأخرج ابن مندة ، وابن عساكر عن ابن عباس في الآية قال : نزلت في عثمان ورافع بن المعلى وخارجة ابن زيد. وقد روي في تعيين «من» في الآية روايات كثيرة.