نيأس ، أو كما قال ، فقال : «ألا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار؟ قالوا : بلى يا رسول الله! قال : (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) إلى قوله : (الْمُفْلِحُونَ) هؤلاء أهل الجنة ، قالوا : إنا نرجو أن نكون هؤلاء ، ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ) إلى قوله : (عَظِيمٌ) هؤلاء أهل النار ، قالوا : ألسنا هم يا رسول الله؟! قال : أجل» (١).
وقد ورد في فضل هذه الآيات الشريفة أحاديث ، منها : ما أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والحاكم والبيهقي عن أبيّ بن كعب قال : «كنت عند النبيّ صلىاللهعليهوسلم فجاء أعرابيّ فقال : يا نبيّ الله! إن لي أخا وبه وجع فقال : وما وجعه؟ قال : به لمم ، قال : فائتني به. فوضعه بين يديه ، فعوّذه النبيّ بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أوّل سورة البقرة ، وهاتين الآيتين : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وآية الكرسي ، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة ، وآية من آل عمران (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، وآية من الأعراف (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ) ، وآخر سورة المؤمنين (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) ، وآية من سورة الجنّ (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) ، وعشر آيات من أوّل الصافّات ، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر ، وقل هو الله أحد ، والمعوّذتين ، فقام الرجل كأنه لم يشتك قطّ». وأخرج نحوه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عبد الرحمن بن أبي يعلى عن رجل عن أبيّ مثله. وأخرج الدارمي وابن الضريس عن ابن مسعود قال : من قرأ أربع آيات من أوّل سورة البقرة ، وآية الكرسي ، وآيتين بعد آية الكرسي ، وثلاثا من آخر سورة البقرة ، لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ، ولا شيء يكرهه في أهله ولا ماله ، ولا تقرأ على مجنون إلا أفاق. وأخرج الدارميّ وابن المنذر والطبراني عنه قال : من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتى يصبح : أربع من أوّلها ، وآية الكرسي ، وآيتان بعدها ، وثلاث خواتمها وأوّلها (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ). وأخرج سعيد ابن منصور والدارمي والبيهقي عن المغيرة بن سبيع ، وكان من أصحاب عبد الله ابن مسعود بنحوه. وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إذا مات أحدكم فلا تحبسوه ، وأسرعوا به إلى قبره ، وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة ، وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة». وقد ورد في ذلك غير هذا.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧))
ذكر سبحانه فريق الشرّ بعد الفراغ من ذكر فريق الخير قاطعا لهذا الكلام عن الكلام الأوّل ، معنونا له بما يفيد أن شأن جنس الكفرة عدم إجداء الإنذار لهم ، وأنه لا يترتب عليهم ما هو المطلوب منهم من الإيمان ، وأن وجود ذلك كعدمه. و (سَواءٌ) اسم بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر ، والهمزة وأم مجرّدتان لمعنى الاستواء غير مراد بهما ما هو أصلهما من الاستفهام ، وصحّ الابتداء بالفعل والإخبار عنه بقوله : سواء ،
__________________
(١). الإجابة ب «أجل» تثبت النفي ، فيكون المعنى : لستم هم.