(وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) قال : يقول الله قد عفوت عنكم أن لا أكون استأصلتكم. وأخرج أيضا عن ابن جريج نحوه. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس (إِذْ تُصْعِدُونَ) قال : أصعدوا في أحد فرارا والرسول يدعوهم في أخراهم : «إليّ عباد الله ارجعوا ، إليّ عباد الله ارجعوا». وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن ابن عوف : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) قال : الغمّ الأوّل : بسبب الهزيمة ، والثاني : حين قيل : قتل محمد ، وكان ذلك عندهم أعظم من الهزيمة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (غَمًّا بِغَمٍ) قال : فرّة بعد الفرّة ، الأولى : حين سمعوا الصوت أن محمدا قد قتل. [والثانية حين رجع الكفار فضربوهم مدبرين حتى قتلوا منهم سبعين رجلا] (١). وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم قال : الغم الأوّل : الجراح والقتل ، والغم الآخر : حين سمعوا أن النبي صلىاللهعليهوسلم قد قتل. وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله.
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥))
الأمنة والأمن سواء ، وقيل : الأمنة إنما تكون مع أسباب الخوف ، والأمن مع عدمه ، وهي : منصوبة بأنزل. ونعاسا : بدل منها ، أو عطف بيان ، أو مفعول له ؛ وأما ما قيل من أن أمنة : حال من نعاسا مقدّمة عليه ، أو حال من المخاطبين ، أو مفعول له ، فبعيد. وقرأ ابن محيصن : «أمنة» بسكون الميم. قوله : (يَغْشى) قرئ : بالتحتية ، على أن الضمير للنعاس ، وبالفوقية ، على أن الضمير لأمنة ، والطائفة : تطلق على الواحد والجماعة ، والطائفة الأولى : هم المؤمنون الذين خرجوا للقتال طلبا للأجر ، والطائفة الأخرى : هم معتب بن قشير وأصحابه ، وكانوا خرجوا طمعا في الغنيمة ، وجعلوا يناشدون على الحضور ، ويقولون الأقاويل. ومعنى : (أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) حملتهم على الهمّ ، أهمني الأمر : اقلقني ، والواو في قوله : (وَطائِفَةٌ) للحال ، وجاز الابتداء بالنكرة لاعتمادها على واو الحال ، وقيل : إن معنى (أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) صارت همهم ، لا همّ لهم غيرها (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) هذه الجملة في محل نصب على الحال ، أي : يظنون بالله غير الحق الذي يجب أن يظن به ، وظنّ الجاهلية : بدل منه. وهو الظنّ المختص بملة الجاهلية ، أو ظن أهل الجاهلية ، وهو ظنهم : أن أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم باطل ، وأنه لا ينصر ولا يتمّ ما دعا إليه من دين الحق.
__________________
(١). ما بين حاصرتين من تفسير ابن جرير الطبري [٤ / ٨٨].