بعد إصعادهم في الوادي ، فيصح المعنى على القراءتين. وقال القتبي : أصعد : إذا أبعد في الذهاب وأمعن فيه ، ومنه قول الشاعر :
ألا أيّهذا السّائلي أين أصعدت |
|
فإنّ لها من بطن يثرب موعدا |
وقال الفراء : الإصعاد : الابتداء في السفر ، والانحدار : الرجوع منه ، يقال : أصعدنا من بغداد إلى مكة ، وإلى خراسان ، وأشباه ذلك : إذا خرجنا إليها وأخذنا في السفر ، وانحدرنا : إذا رجعنا. وقال المفضل : صعد وأصعد بمعنى واحد. ومعنى : (تَلْوُونَ) : تعرجون وتقيمون ، أي : لا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا ، فإن المعرج إلى الشيء يلوي إليه عنقه أو عنق دابته (عَلى أَحَدٍ) أي : على أحد ممن معكم ؛ وقيل : على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقرأ الحسن : «تلون» بواو واحدة ، وقرأ عاصم في رواية عنه : بضم التاء ، وهي لغة. قوله : (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) أي : في الطائفة المتأخرة منكم ، يقال : جاء فلان في آخر الناس ، وآخرة الناس ، وأخرى الناس ، وأخريات الناس. وكان دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم : «أي عباد الله ارجعوا». قوله : (فَأَثابَكُمْ) عطف على صرفكم ، أي : فجازاكم الله غما حين صرفكم عنه بسبب غمّ أذقتموه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعصيانكم ، أو غما موصولا بغمّ بسبب ذلك الإرجاف والجرح والقتل وظفر المشركين ، والغمّ في الأصل : التغطية ، غميت الشيء : غطيته ، ويوم غمّ ، وليلة غمة : إذا كانا مظلمين ، ومنه : غمّ الهلال ؛ وقيل : الغمّ الأول : الهزيمة ، والثاني : إشراف أبي سفيان وخالد بن الوليد عليهم في الجبل. قوله : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا) اللام متعلقة بقوله : (فَأَثابَكُمْ) أي : هذا الغمّ بعد الغمّ ، لكيلا تحزنوا على ما فات من الغنيمة ، ولا ما أصابكم من الهزيمة ، تمرينا لكم على المصائب ، وتدريبا لاحتمال الشدائد. وقال المفضل : معنى (لِكَيْلا تَحْزَنُوا) لكي تحزنوا ، ولا زائدة كقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) أي : أن تسجد ، وقوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) أي : ليعلم.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) قال : لا تنتصحوا اليهود والنصارى على دينكم ، ولا تصدقوهم بشيء في دينكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي يقول : إن تطيعوا أبا سفيان بن حرب يردّكم كفارا. وأخرج ابن جرير عنه في قوله : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) نحو ما قدّمناه في سبب نزول الآية. وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة في قوله : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) قال : كان الله وعدهم على الصبر والتقوى : أن يمدّهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين ، وكان قد فعل ، فلما عصوا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتركوا مصافهم ، وتركت الرماة عهد الرسول إليهم أن لا يبرحوا منازلهم ، وأرادوا الدنيا رفع عنهم مدد الملائكة. وقصة أحد مستوفاة في السير والتواريخ فلا حاجة إلى إطالة الشرح هنا. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن عبد الرحمن بن عوف في قوله : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ) قال : الحسّ : القتل. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه. قال : الفشل : الجبن. وأخرج ابن المنذر عن البراء بن عازب في قوله : (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) قال : الغنائم وهزيمة القوم. وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله :