المأمور به : هو حصول المعرفة بذلك ، فإن حصلت بدونه فقد حصل المقصود ، وإن كان لمشاهدة الآثار زيادة غير حاصلة لمن لم يشاهدها ، والإشارة بقوله : (هذا) إلى قوله : (قَدْ خَلَتْ) وقال الحسن : إلى القرآن (بَيانٌ لِلنَّاسِ) أي : تبيين لهم ، وتعريف الناس للعهد ، وهم : المكذبون ، أو للجنس ، أي : للمكذبين وغيرهم. وفيه حث على النظر في سوء عاقبة المكذبين وما انتهى إليه أمرهم. قوله : (وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ) أي : هذا النظر مع كونه بيانا فيه هدى وموعظة للمتقين من المؤمنين ، فعطف الهدى والموعظة على البيان يدل على التغاير ولو باعتبار المتعلق ، وبيانه : أن اللام في الناس إن كانت للعهد : فالبيان للمكذبين والهدى والموعظة للمؤمنين ، وإن كانت للجنس : فالبيان لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم والهدى والموعظة للمتقين وحدهم. قوله : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) عزاهم وسلاهم بما نالهم يوم أحد من القتل والجراح ، وحثهم على قتال عدوهم ، ونهاهم عن العجز والفشل ، ثم بين لهم أنهم الأعلون على عدوّهم بالنصر والظفر ، وهي جملة حالية ، أي : والحال أنكم الأعلون عليهم وعلى غيرهم بعد هذه الوقعة. وقد صدق الله وعده فإن النبيّ صلىاللهعليهوسلم بعد وقعة أحد ظفر بعدوّه في جميع وقعاته ؛ وقيل : المعنى : وأنتم الأعلون عليهم بما أصبتم منهم في يوم بدر فإنه أكثر مما أصابوا منكم اليوم. وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) متعلق بقوله : (وَلا تَهِنُوا) وما بعده ، أو بقوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أي : إن كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا ، أو : إن كنتم مؤمنين فأنتم الأعلون. والقرح : بالضم والفتح : الجرح ، وهما لغتان فيه ، قاله الكسائي والأخفش. وقال الفراء : هو بالفتح : الجرح ، وبالضم : ألمه. وقرأ محمد بن السميقع «قرح» بفتح القاف والراء : على المصدر. والمعنى في الآية : إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم يوم بدر ، فلا تهنوا لما أصابكم في هذا اليوم ، فإنهم لم يهنوا لما أصابهم في ذلك اليوم ، وأنتم أولى بالصبر منهم ؛ وقيل : إن المراد بما أصاب المؤمنين والكافرين في هذا اليوم ، فإن المسلمين انتصروا عليهم في الابتداء فأصابوا منهم جماعة ، ثم انتصر الكفار عليهم فأصابوا منهم. والأوّل أولى ، لأن ما أصابه المسلمون من الكفار في هذا اليوم لم يكن مثل ما أصابوه منهم فيه. وقوله : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ) أي : الكائنة بين الأمم في حروبها ، والآتية فيما بعد ، كالأيام الكائنة في زمن النبوّة ؛ تارة تغلب هذه الطائفة ، وتارة تغلب الأخرى ، كما وقع لكم أيها المسلمون في يوم بدر وأحد ، وهو معنى قوله : (نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) فقوله : (تِلْكَ) مبتدأ ، والأيام : صفته ، والخبر : نداولها ، وأصل المداولة : المعاورة ، داولته بينهم : عاورته. والدولة : الكرة ، ويجوز أن تكون : الأيام : خبرا ونداولها : حالا ، والأوّل أولى. وقوله : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) معطوف على علة مقدّرة كأنه قال : نداولها بين الناس ليظهر أمركم وليعلم ، أو يكون المعلل محذوفا ، أي : ليعلم الله الذين اتقوا ، فعلنا ذلك ، وهو من باب التمثيل : أي : فعلنا فعل من يريد أن يعلم لأنه سبحانه لم يزل عالما ، أو : ليعلم الله الذين آمنوا بصبره علما يقع عليه الجزاء ، كما علمه أزليا (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) أي : يكرمهم بالشهادة. والشهداء : جمع شهيد ، سمي بذلك : لكونه مشهودا له بالجنة ، أو جمع شاهد : لكونه كالمشاهد للجنة ، ومن : للتبعيض ، وهم شهداء أحد. وقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه ، لتقرير مضمون ما قبله. وقوله : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ