أي : يصيبهم بالحزن والغيظ في أكبادهم ، وهو غير صحيح ، فإن معنى كبت : أحزن وأغاظ وأذل ، ومعنى كبد أصاب الكبد (فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) أي : غير ظافرين بمطلبهم. قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) جملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه ، أي : أن الله مالك أمرهم يصنع بهم ما يشاء من الإهلاك ، أو الهزيمة ، أو التوبة إن أسلموا ، أو العذاب ، فقوله : (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) عطف على قوله أو يكبتهم ، وقال الفراء : إنّ : أو : بمعنى : إلا أن ، بمعنى : ليس لك من الأمر شيء إلا أن يتوب عليهم ، فتفرح بذلك ، أو يعذبهم ، فتشفى بهم. قوله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) كلام مستأنف لبيان سعة ملكه (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) أن يغفر له (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) أن يعذبه ، يفعل في ملكه ما يشاء ، ويحكم ما يريد (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (١) وفي قوله : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : إشارة إلى أن رحمته سبقت غضبه ، وتبشير لعباده بأنه المتصف بالمغفرة والرحمة على وجه المبالغة ، وما أوقع هذا التذييل الجليل وأحبه إلى قلوب العارفين بأسرار التنزيل!.
وقد أخرج ابن إسحاق ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن شهاب وعاصم بن عمر بن قتادة ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، والحصين بن عبد الرحمن بن أسعد بن معاذ قالوا : كان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص ، اختبر الله به المؤمنين ومحق به المنافقين ممن كان يظهر الإسلام بلسانه وهو مستخف بالكفر ، ويوم أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته. وكان مما نزل من القرآن في يوم أحد ستون آية من آل عمران ، فيها صفة ما كان في يومه ذلك ، ومعاتبة من عاتب منهم ؛ يقول الله لنبيه : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) الآية. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) الآية قال : يوم أحد. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) قال : توطن. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الحسن أن الآية في يوم الأحزاب. وقد ورد في كتب السير والتاريخ كيفية الاختلاف في المشورة على النبي صلىاللهعليهوسلم في يوم أحد ، فمن قائل نخرج إليهم ، ومن قائل نبقى في المدينة ، فخرج وكان من جملة المشيرين عبد الله بن أبيّ ابن سلول رأس المنافقين ، كان رأيه البقاء في المدينة والمقاتلة فيها ، ثم لما خولف في رأيه انخزل بمن معه من المنافقين ، وهم الثلث من القوم الذين خرج بهم النبي صلىاللهعليهوسلم. وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن جابر قال : فينا نزلت في بني حارثة وبني سلمة : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) وما يسرني أنها لم تنزل لقوله : (وَاللهُ وَلِيُّهُما). وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة في قوله : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ) قال : ذلك يوم أحد. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم بنو حارثة ، وبنو سلمة. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) إلى (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) في قصة بدر. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) يقول : وأنتم قليل ، وهم يومئذ بضعة عشر وثلاثمائة. وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الشعبي : أن المسلمين بلغهم يوم بدر : أن كرز بن جابر المحاربي يمدّ المشركين ، فشقّ ذلك عليهم ، فأنزل الله : (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ) إلى قوله : (مُسَوِّمِينَ) قال : فبلغت كرزا
__________________
(١). الأنبياء : ٢٣.