(إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) هو بدل من إذ غدوت ، أو متعلق بقوله : تبوّئ ، أو بقوله : سميع عليم ؛ والطائفتان : بنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، وكانا جناحي العسكر يوم أحد ؛ والفشل : الجبن ؛ والهمّ من الطائفتين كان بعد الخروج ، لما رجع عبد الله بن أبيّ بمن معه من المنافقين ، فحفظ الله قلوب المؤمنين ، فلم يرجعوا ، وذلك قوله : (وَاللهُ وَلِيُّهُما). قوله : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) جملة مستأنفة ، سيقت لتصبيرهم ، بتذكير ما يترتب على الصبر من النصر. وبدر : اسم لماء كان في موضع الوقعة ؛ وقيل : هو اسم الموضع نفسه ، وسيأتي سياق قصة بدر في الأنفال إن شاء الله. وأذلة : جمع قلة ، ومعناه : أنهم كانوا بسبب قلتهم أذلة ، وهو : جمع ذليل ، استعير للقلة ، إذ لم يكونوا في أنفسهم أذلة ، بل كانوا أعزة ، والنصر : العون. وقد شرح أهل التواريخ والسير غزوة بدر وأحد بأتم شرح فلا حاجة لنا في سياق ذلك هاهنا. قوله : (إِذْ تَقُولُ) متعلق بقوله : (نَصَرَكُمُ) والهمزة في قوله : (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) للإنكار منه صلىاللهعليهوسلم عليهم عدم اكتفائهم بذلك المدد من الملائكة ، ومعنى الكفاية : سدّ الخلة والقيام بالأمر ؛ والإمداد في الأصل : إعطاء الشيء حالا بعد حال ، والمجيء بلن : لتأكيد النفي ، وأصل الفور : القصد إلى الشيء والأخذ فيه بجدّ ، وهو من قولهم : فارت القدر ، تفور فورا وفورانا ، إذا غلت ، والفور : الغليان ، وفار غضبه : إذا جاش ، وفعله من فوره : أي قبل أن يسكن ، والفوّارة ما يفور من القدر ، استعير للسرعة ، أي : إن يأتوكم من ساعتهم هذه يمددكم ربكم بالملائكة في حال إتيانهم ، لا يتأخر عن ذلك. قوله : (مُسَوِّمِينَ) بفتح الواو اسم مفعول ، وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي ونافع ، أي : معلمين بعلامات ، وقرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، وعاصم : (مُسَوِّمِينَ) بكسر الواو اسم فاعل ، أي : معلمين أنفسهم بعلامة. ورجح ابن جرير هذه القراءة ، والتسويم : إظهار سيما الشيء. قال كثير من المفسرين : (مُسَوِّمِينَ) أي : مرسلين خيلهم في الغارة ؛ وقيل : إن الملائكة اعتمت بعمائم بيض ؛ وقيل : حمر ، وقيل : خضر ؛ وقيل : صفر ، فهذه العلامة التي علموا بها أنفسهم ، حكي ذلك عن الزجاج ؛ وقيل : كانوا على خيل بلق ؛ وقيل : غير ذلك. قوله : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) كلام مبتدأ غير داخل في مقول القول ، والضمير في قوله : (جَعَلَهُ) للإمداد المدلول عليه بالفعل ، أو للتسويم ، أو للإنزال ، ورجح الأوّل الزجاج ، وصاحب الكشاف. وقوله : (إِلَّا بُشْرى) استثناء مفرّغ من أعم العام ، والبشرى : اسم من البشارة ، أي : إلا لتبشروا بأنكم تنصرون ، ولتطمئن قلوبكم به ، أي : بالإمداد ، واللام لام كي ، جعل الله ذلك الإمداد بشرى بالنصر وطمأنينة للقلوب ، وفي قصر الإمداد عليهما إشارة إلى عدم مباشرة الملائكة للقتال يومئذ (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) لا من عند غيره ، فلا تنفع كثرة المقاتلة ووجود العدة. قوله : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) متعلق بقوله : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) وقيل : متعلق بقوله : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) وقيل : متعلق بقوله : (يُمْدِدْكُمْ) والطرف : الطائفة ، والمعنى : نصركم الله ببدر ليقطع طائفة من الكفار ، وهم الذين قتلوا يوم بدر ؛ أو : وما النصر إلا من عند الله ليقطع تلك الطائفة ، أو يمددكم ليقطع. ومعنى يكبتهم : يحزنهم ، والمكبوت : المحزون. وقال بعض أهل اللغة : معناه : يكبدهم ،