بها غير متثاقلين عن تأديتها لمعرفتهم بقدر ثوابها. وقوله : (وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي : من جملتهم ؛ وقيل : من : بمعنى : مع ، أي : مع الصالحين ، وهم الصحابة رضي الله عنهم ، والظاهر أن المراد كل صالح ، والإشارة بقوله : (أُولئِكَ) إلى الأمة الموصوفة بتلك الصفات. قوله : (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) أي خير كان (فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) أي : لن تعدموا ثوابه ، وعداه إلى المفعولين وهو لا يتعدّى إلا إلى واحد لأنه ضمنه معنى الحرمان ، كأنه قيل : فلن تحرموه ، كما قاله صاحب الكشاف. قرأ الأعمش ، وابن وثاب ، وحفص ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف : بالياء التحتية في الفعلين ، وهي قراءة ابن عباس ، واختارها أبو عبيد. وقرأ الباقون : بالمثناة من فوق ، فيهما ، وكان أبو عمرة يرى القراءتين جميعا. والمراد بالمتقين : كل من ثبتت له صفة التقوى ؛ وقيل : المراد : من تقدّم ذكره ، وهم الأمة الموصوفة بتلك الصفة ، ووضع الظاهر موضع المضمر مدحا لهم ، ورفعا من شأنهم. وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) قيل : هم بنو قريظة والنضير. قال مقاتل : لما ذكر تعالى مؤمني أهل الكتاب ذكر كفارهم في هذه الآية. والظاهر أن المراد بذلك : كل من كفر بما يجب الإيمان به. ومعنى : (لَنْ تُغْنِيَ) : لن تدفع ، وخص الأولاد أنهم أحبّ القرابة وأرجاهم لدفع ما ينوبه. وقوله : (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ) بيان لعدم إغناء أموالهم التي كانوا يعوّلون عليها. والصرّ : البرد الشديد ، أصله : من الصرير الذي هو : الصوت ، فهو صوت الريح الشديد ، وقال الزجاج : صوت لهب النار التي في تلك الريح. ومعنى الآية : مثل نفقة الكافرين في بطلانها ، وذهابها ، وعدم منفعتها ، كمثل زرع أصابه ريح باردة ، أو نار ، فأحرقته ، أو أهلكته ، فلم ينتفع أصحابه بشيء منه بعد أن كانوا على طمع من نفعه وفائدته. وعلى هذا فلا بدّ من تقدير في جانب المشبه به ، فيقال : كمثل زرع أصابته ريح فيها صرّ ، أو : مثل إهلاك ما ينفقون ؛ كمثل إهلاك ريح فيها صرّ ؛ أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) أي : المنفقين من الكافرين (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بالكفر المانع من قبول النفقة التي أنفقوها ، وتقديم المفعول : لرعاية الفواصل لا للتخصيص ، لأن الكلام في الفعل باعتبار تعلقه بالفاعل ، لا بالمفعول.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مندة ، وأبو نعيم في المعرفة ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر عن ابن عباس قال : لما أسلم عبد الله بن سلام ، وثعلبة ، وأسيد ابن سعيد ، ومن أسلم من يهود معهم ، فآمنوا ، وصدقوا ، ورغبوا في الإسلام. قالت أحبار يهود ، وأهل الكفر منهم : ما آمن بمحمد وتبعه إلا شرارنا ، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره ، فأنزل الله : (لَيْسُوا سَواءً) الآية. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه (أُمَّةٌ قائِمَةٌ) يقول : مهتدية ، قائمة على أمر الله ، لم تنزع عنه ، ولم تتركه كما تركه الآخرون وضيعوه. وخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم قال : (أُمَّةٌ قائِمَةٌ) عادلة. وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (آناءَ اللَّيْلِ) قال : جوف الليل. وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : ساعات الليل. وأخرج عبد بن حميد ، والبخاري في تاريخه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله : (لَيْسُوا سَواءً) قال : لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلىاللهعليهوسلم (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ)