أي : ذو طريقة حسنة ، وأنشد :
وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع
وقيل : في الكلام حذف ، والتقدير : من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة ، فترك الأخرى اكتفاء بالأولى ، كقول أبي ذؤيب :
عصيت (١) إليها القلب إنّي لأمرها |
|
مطيع فما أدري أرشد طلابها؟ |
أراد أرشد أم غيّ؟ قال الفراء : أمة : رفع بسواء ، والتقدير : ليس يستوي أمة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمة كافرة. قال النحاس : وهذا القول خطأ من جهات : أحدها : أنه يرفع أمة بسواء فلا يعود على اسم ليس شيء ، ويرفع بما ليس جاريا على الفعل ، ويضمر ما لا يحتاج إليه لأنه قد تقدم ذكر الكافرة ، فليس لإضمار هذا وجه. وقال أبو عبيدة : هذا مثل قولهم أكلوني البراغيث ، وذهبوا أصحابك. قال النحاس : وهذا غلط ، لأنه قد تقدم ذكرهم ، وأكلوني البراغيث لم يتقدم لهم ذكر. انتهى.
وعندي : أن ما قاله الفراء قويّ قويم ، وحاصله : أن معنى الآية : لا يستوي أمة من أهل الكتاب شأنها كذا ؛ وأمة أخرى شأنها كذا ، وليس تقدير هذا المحذوف من باب تقدير ما لا حاجة إليه كما قال النحاس ، فإن تقدّم ذكر الكافرة لا يفيد مفاد تقدير ذكرها هنا ، وأما قوله : إنه لا يعود على اسم ليس شيء ، فيردّه : أن تقدير العائد شائع مشتهر عند أهل الفن ، وأما قوله : ويرفع بما ليس جاريا على الفعل ، فغير مسلم. والقائمة : المستقيمة العادلة ، من قولهم : أقمت العود فقام ، أي : استقام. وقوله : (يَتْلُونَ) : في محل رفع أنه صفة ثانية لأمة ، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال (آناءَ اللَّيْلِ) ساعاته ، وهو منصوب على الظرفية. وقوله : (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) ظاهره : أن التلاوة كائنة منهم في حال السجود ، ولا يصح ذلك إذا كان المراد بهذه الأمة الموصوفة في الآية : هم من قد أسلم من أهل الكتاب ، لأنه قد صح عن النبي صلىاللهعليهوسلم النهي عن قراءة القرآن في السجود ، فلا بدّ من تأويل هذا الظاهر بأن المراد بقوله : (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) : وهم يصلون ، كما قاله الفراء والزجاج ، وإنما عبر بالسجود عن مجموع الصلاة ، لما فيه من الخضوع والتذلل. وظاهر هذا : أنهم يتلون آيات الله في صلاتهم من غير تخصيص لتلك الصلاة بصلاة معينة ؛ وقيل : المراد بها : الصلاة بين العشاءين ؛ وقيل : صلاة الليل مطلقا. وقوله : (وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) صفة أخرى لأمة ، أي : يؤمنون بالله وكتبه ورسله ، ورأس ذلك الإيمان بما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم وقوله : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) صفتان أيضا لأمة ، أي : أن هذا من شأنهم وصفتهم. وظاهره يفيد : أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على العموم ؛ وقيل : المراد بالأمر بالمعروف هنا : أمرهم باتباع النبي صلىاللهعليهوسلم ، وبالنهي عن المنكر : نهيهم عن مخالفته. وقوله : (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) : من جملة الصفات أيضا ، أي : يبادرون
__________________
(١). في ديوان أبي ذؤيب ، والقرطبي (٤ / ١٧٦) :
عصاني إليها القلب إنّي لأمره