التاء الفوقية على لغة بكر وتميم ، ومثله : قراءة من قرأ : نستعين بكسر النون. وقرأ نافع والكسائي : (يُؤَدِّهِ) بكسر الهاء في الدرج. قال أبو عبيد : واتفق أبو عمرو ، والأعمش ، وحمزة ، وعاصم في رواية أبي بكر : على إسكان الهاء. قال النحاس : إسكان الهاء لا يجوز إلا في الشعر عند بعض النحويين ، وبعضهم لا يجيزه ألبتة ، ويرى أنه غلط من قرأ به ، ويوهم أن الجزم يقع على الهاء وأبو عمرو أجلّ من أن يجوز عليه شيء من هذا ، والصحيح عنه : أنه كان يكسر الهاء. وقال الفراء : مذهب بعض العرب يسكنون الهاء إذا تحرك ما قبلها ، فيقولون : ضربته ضربا شديدا ، كما يسكنون ميم أنتم وقمتم ، وأنشد :
لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع |
|
مال إلى أرطاة (١) حقف فاضطجع |
وقرأ أبو المنذر سلام ، والزهري : يؤده بضم الهاء بغير واو. وقرأ قتادة وحمزة ومجاهد : يؤدّ هو بواو في الإدراج ، ومعنى الآية : أن أهل الكتاب فيهم الأمين الذي يؤدي أمانته وإن كانت كثيرة ، وفيهم الخائن الذي لا يؤدي أمانته وإن كانت حقيرة ، ومن كان أمينا في الكثير فهو في القليل أمين بالأولى ، ومن كان خائنا في القليل فهو في الكثير خائن بالأولى. وقوله : (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) استثناء مفرغ ، أي : لا يؤده إليك في حال من الأحوال إلا ما دمت عليه قائما مطالبا له ، مضيقا عليه ، متقاضيا لردّه ، والإشارة بقوله : ذلك ، إلى ترك الأداء المدلول عليه بقوله : (لا يُؤَدِّهِ). والأميون : هم العرب الذين ليسوا أهل كتاب ، أي : ليس علينا في ظلمهم حرج لمخالفتهم لنا في ديننا ، وادّعوا ـ لعنهم الله ـ أن ذلك في كتابهم ، فردّ الله سبحانه عليهم بقوله : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ـ بَلى) أي : بلى عليهم سبيل لكذبهم ، واستحلالهم أموال العرب ، فقوله : (بَلى) إثبات لما نفوه من السبيل. قال الزجاج : تمّ الكلام بقوله : (بَلى) ثم قال : (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى) وهذه جملة مستأنفة : أي : من أوفى بعهده واتقى فليس من الكاذبين. أو فإن الله يحبه ، والضمير في قوله : (بِعَهْدِهِ) راجع إلى : من ، أو إلى : الله تعالى ، وعموم المتقين قائم مقام العائد إلى : من ، أي : فإن الله يحبه. قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ) أي : يستبدلون ، كما تقدّم تحقيقه غير مرة. وعهد الله : هو ما عاهدوه عليه من الإيمان بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والأيمان : هي التي كانوا يحلفون أنهم يؤمنون به وينصرونه ، وسيأتي بيان سبب نزول الآية : (أُولئِكَ) أي : الموصوفون بهذه الصفة (لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) أي : لا نصيب (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) بشيء أصلا ، كما يفيده حذف المتعلق من التعميم ، أو لا يكلمهم بما يسرهم (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) نظر رحمة ، بل يسخط عليهم ، ويعذبهم بذنوبهم ، كما يفيده قوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عن عكرمة في قوله : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) قال : هذا من النصارى (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ) قال : هذا من اليهود (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) قال : إلا ما طلبته واتبعته. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة في قوله : (ذلِكَ
__________________
(١). الأرطاة : واحدة الأرط ، وهو شجر من شجر الرمل ، والحقف : بالكسر ، ما اعوجّ من الرمل.