والثانية : لغة أهل تهامة ، وبها قرأ أيضا عبد الله بن مسعود. والثالثة : من أبشر يبشر إبشارا. ويحيى : ممتنع ، إما لكونه أعجميا ، أو لكون فيه وزن الفعل ، كيعمر مع العلمية. قال القرطبي حاكيا عن النقاش : كان اسمه في الكتاب الأول حنا. انتهى. والذي رأيناه في مواضع من الإنجيل أنه : يوحنا ؛ قيل سمي بذلك : لأن الله أحياه بالإيمان والنبوّة ، وقيل : لأن الله أحيا به الناس بالهدى. والمراد هنا : التبشير بولادته ، أي : يبشرك بولادة يحيى. وقوله : (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) أي : بعيسى عليهالسلام ، وسمي : كلمة الله ، لأنه كان بقوله سبحانه : كن ؛ وقيل : سمي كلمة الله : لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بكلام الله. وقال أبو عبيد : معنى (بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) : بكتاب من الله ، قال : والعرب تقول : أنشدني كلمته ، أي : قصيدته ، كما روي : أن الحويدرة ذكر لحسان فقال : لعن الله كلمته ، يعني : قصيدته. انتهى. ويحيي أوّل من آمن بعيسى وصدّق ، وكان أكبر من عيسى بثلاث سنين ، وقيل : بستة أشهر. والسيد : الذي يسود قومه قال الزجاج : السيد : الذي يفوق أقرانه في كل شيء من الخير. والحصور : أصله من الحصر ، وهو الحبس ، يقال : حصرني الشيء وأحصرني ، إذا حبسني ، ومنه قول الشاعر :
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت |
|
عليك ولا أن أحصرتك شغول |
والحصور : الذي لا يأتي النساء ، كأنه يحجم عنهن ، كما يقال : رجل حصور ، وحصير : إذا حبس رفده ولم يخرجه ، فيحيى عليهالسلام كان حصورا عن إتيان النساء : أي : محصورا لا يأتيهنّ كغيره من الرجال ؛ إما لعدم القدرة على ذلك ، أو لكونه يكف عنهنّ منعا لنفسه عن الشهوة مع القدرة. وقد رجح الثاني بأن المقام مقام مدح ، وهو لا يكون إلا على أمر مكتسب يقدر فاعله على خلافه ، لا على ما كان من أصل الخلقة وفي نفس الجبلة. وقوله : (مِنَ الصَّالِحِينَ) أي : ناشئا من الصالحين ، لكونه من نسل الأنبياء ، أو كائنا من جملة الصالحين ، كما في قوله : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) قال الزجاج : الصالح : الذي يؤدي لله ما افترض عليه ، وإلى الناس حقوقهم. قوله : (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) ظاهر هذا أن الخطاب منه لله سبحانه ، وإن كان الخطاب الواصل إليه هو بواسطة الملائكة ، وذلك لمزيد التضرّع والجدّ في طلب الجواب عن سؤاله ؛ وقيل : إنه أراد بالربّ جبريل ، أي : يا سيدي ؛ قيل : وفي معنى هذا الاستفهام وجهان ، أحدهما : أنه سأل هل يرزق هذا الولد من امرأته العاقر أو من غيرها؟ وقيل : معناه بأيّ سبب استوجب هذا ، وأنا وامرأتي على هذه الحال؟. والحاصل : أنه استبعد حدوث الولد منهما مع كون العادة قاضية بأنه لا يحدث من مثلهما ؛ لأنه كان يوم التبشير كبيرا ؛ قيل : في تسعين سنة ، وقيل : ابن عشرين ومائة سنة ، وكانت امرأته في ثمان وتسعين سنة ، ولذلك قال : (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) أي : والحال ذلك ، جعل الكبر كالطالب له لكونه طليعة من طلائع الموت فأسند الفعل إليه. والعاقر : التي لا تلد ؛ أي ذات عقر على النسب ولو كان على الفعل لقال عقيرة ؛ أي : بها عقر يمنعها من الولد ، وإنما وقع منه هذا الاستفهام بعد دعائه بأن يهب الله له ذرية طيبة ، ومشاهدته لتلك الآية الكبرى في مريم استعظاما لقدرة الله سبحانه لا لمحض الاستبعاد ، وقيل : إنه قد مرّ بعد دعائه إلى وقت يشاء ربه أربعون سنة ؛ وقيل : عشرون سنة فكان