الاستبعاد من هذه الحيثية. قوله : (كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) أي : يفعل الله ما يشاء من الأفعال العجيبة مثل ذلك الفعل ، وهو إيجاد الولد من الشيخ الكبير والمرأة العاقر ، والكاف : في محل نصب نعتا لمصدر محذوف ، والإشارة إلى مصدر يفعل أو الكاف : في محل رفع على أنها خبر ، أي : على هذا الشأن العجيب شأن الله ، ويكون قوله : (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) بيانا له ، أو الكاف : في محل نصب على الحال ، أي : يفعل الله الفعل كائنا مثل ذلك. قوله : (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) أي : علامة أعرف بها صحة الحبل ، فأتلقى هذه النعمة بالشكر (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) أي : علامتك أن تحبس لسانك عن تكليم الناس ثلاثة أيام ، لا عن غيره من الأذكار ، ووجه جعل الآية هذا : لتخلص تلك الأيام لذكر الله سبحانه شكرا على ما أنعم به عليه ؛ وقيل : بأن ذلك عقوبة من الله سبحانه له بسبب سؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إياه ، حكاه القرطبي عن أكثر المفسرين. والرمز في اللغة : الإيماء بالشفتين ، أو العينين ، أو الحاجبين ، أو اليدين ، وأصله : الحركة ، وهو استثناء منقطع ، لكون الرمز من غير جنس الكلام ، وقيل : هو متصل على معنى أن الكلام ما حصل به الإفهام من لفظ أو إشارة أو كتابة ، وهو بعيد. والصواب الأوّل ، وبه قال الأخفش والكسائي. قوله : (وَسَبِّحْ) أي : سبحه (بِالْعَشِيِ) وهو جمع عشية ؛ وقيل : هو واحد ، وهو من حين تزول الشمس إلى أن تغيب ؛ وقيل : من العصر إلى ذهاب صدر الليل ، وهو ضعيف جدا (وَالْإِبْكارِ) من طلوع الفجر إلى وقت الضحى ، وقيل : المراد بالتسبيح : الصلاة. قوله : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ) الظرف متعلق بمحذوف ، كالظرف الأول (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) اختارك (وَطَهَّرَكِ) من الكفر أو من الأدناس على عمومها (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) قيل : هذا الاصطفاء الآخر غير الاصطفاء الأوّل ، فالأوّل هو حيث تقبلها بقبول حسن ، والآخر لولادة عيسى. والمراد بالعالمين هنا : قيل : نساء عالم زمانها وهو الحق ؛ وقيل : نساء جميع العالم إلى يوم القيامة ، واختاره الزجاج ؛ وقيل الاصطفاء الآخر تأكيد للاصطفاء الأول ، والمراد بهما جميعا : واحد. قوله : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) أي : أطيلي القيام في الصلاة ، أو أديميها ، وقد تقدّم الكلام على معاني القنوت ، وقدّم السجود على الركوع لكونه أفضل ، أو لكون صلاتهم لا ترتيب فيها ، مع كون الواو لمجرد الجمع بلا ترتيب ، وقوله : (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) ظاهره : أن ركوعها يكون مع ركوعهم ، فيدل على مشروعية صلاة الجماعة ؛ وقيل : المعنى أنها تفعل مثل فعلهم وإن لم تصلّ معهم ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما سبق من الأمور التي أخبره الله بها. والوحي في اللغة : الإعلام في خفاء ، يقال : وحى وأوحى بمعنى : قال ابن فارس : الوحي : الإشارة ، والكتابة ، والرسالة ، وكل ما ألقيته إلى غيرك حتى يعلمه. قوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) أي : تحضرنهم ، يعني : المتنازعين في تربية مريم ، وإنما نفى حضوره عندهم مع كونه معلوما لأنهم أنكروا الوحي ، كان ذلك الإنكار صحيحا لم يبق طريق للعلم له إلا المشاهدة والحضور ، وهم لا يدّعون ذلك فثبت كونه وحيا تسليمهم أنه ليس ممن يقرأ التوراة ولا ممن يلابس أهلها. والأقلام : جمع قلم ، من قلمه : إذا قطعه ، أي : أقلامهم يكتبون بها ؛ وقيل : قداحهم (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) أي : يحضنها ، أي : يلقون أقلامهم ليعلموا أيهم يكفلها ، وذلك