إِلى كِتابِ اللهِ) الذي أوتوا نصيبا منه وهو التوراة (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) والحال معرضون عن الإجابة إلى ما دعوا إليه مع علمهم به واعترافهم بوجوب الإجابة إليه ، و (ذلِكَ) إشارة إلى ما مر من التولّي والإعراض بسبب (بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) وهي مقدار عبادتهم العجل. وقد تقدم تفسير ذلك : (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الأكاذيب التي من جملتها هذا القول. قوله : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) هو رد عليهم وإبطال لما غرهم من الأكاذيب ، أي : فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه وهو يوم الجزاء الذي لا يرتاب مرتاب في وقوعه؟ ، فإنهم يقعون لا محالة ، ويعجزون عن دفعه بالحيل والأكاذيب (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أي : جزاء ما كسبت ، على حذف المضاف (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بزيادة ولا نقص. والمراد : كل الناس المدلول عليهم بكل نفس قال الكسائي : اللام في قوله : (لِيَوْمٍ) بمعنى : في ، وقال البصريون : المعنى : لحساب يوم ، وقال ابن جرير الطبري : المعنى : لما يحدث في يوم.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة بن الجراح «قلت : يا رسول الله! أيّ الناس أشدّ عذابا يوم القيامة؟ قال : رجل قتل نبيا ، أو رجلا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم (الَّذِينَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) إلى قوله : (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا أبا عبيدة! قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا أوّل النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة رجل وسبعون رجلا من عبّاد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم ، فهم الذين ذكر الله». وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصحّحه عن ابن عباس : قال : بعث عيسى يحيى بن زكريا في اثني عشر رجلا من الحواريين يعلمون الناس ، فكان ينهى عن نكاح بنت الأخ ، وكان ملك له بنت أخ تعجبه فأرادها وجعل يقضي لها كل يوم حاجة ، فقالت لها أمها : إذا سألك عن حاجة فقولي حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا ، فقال : سلي غير هذا ، فقالت : لا أسألك غير هذا ، فلما أبت أمر به فذبح في طست ، فبدرت قطرة من دمه فلم تزل تغلي حتى بعث الله بختنصر ، فدلت عجوز عليه ، فألقي في نفسه أن لا يزال يقتل حتى يسكن هذا الدم ، فقتل في يوم واحد من ضرب واحد وسن واحد سبعين ألفا فسكن. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن معقل ابن أبي مسكين في الآية قال : كان الوحي يأتي بني إسرائيل فيذكرون قومهم ولم يكن يأتيهم كتاب ، فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم ، فيقتلون ، فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه ، وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : الذين يأمرون بالقسط من الناس : ولاة العدل. وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيت المدراس على جماعة من يهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال له النعمان بن عمرو والحارث بن زيد : على أي دين أتيت يا محمد؟ قال : «على ملّة إبراهيم ودينه» قال : فإن إبراهيم كان يهوديا. قال لهما النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «فهلمّا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم» فأبيا عليه ، فأنزل الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً