المدح ؛ وقيل : إنه صفة لقوله : (إِلهَ) أي : لا إله قائما بالقسط إلا هو ، أو هو حال من قوله : (إِلَّا هُوَ) والعامل فيه معنى الجملة. وقال الفراء : هو منصوب على القطع ، لأن أصله الألف واللام ، فلما قطعت نصب كقوله : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) (١) ويدل عليه قراءة عبد الله بن مسعود : القائم بالقسط. وقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) تكرير لقصد التأكيد ؛ وقيل : إن قوله : (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) كالدعوى ، والأخيرة كالحكم. وقال جعفر الصادق : الأولى : وصف وتوحيد ، والثانية : رسم وتعليم. وقوله : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) مرتفعان على البدلية من الضمير ، أو الوصفية لفاعل شهد ، لتقرير معنى الوحدانية. قوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ). قرأه الجمهور : بكسر إن ، على أن الجملة مستأنفة مؤكدة للجملة الأولى ، وقرئ : بفتح أن ، قال الكسائي : أنصبهما جميعا يعني قوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ) وقوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) بمعنى شهد الله أنه كذا وأن الدين عند الله الإسلام. قال ابن كيسان : إن الثانية بدل من الأولى. وقد ذهب الجمهور : إلى أن الإسلام هنا بمعنى الإيمان وإن كانا في الأصل متغايرين ، كما في حديث جبريل الذي بين فيه النبي صلىاللهعليهوسلم معنى الإسلام ، ومعنى الإيمان ، وصدقه جبريل ، وهو في الصحيحين وغيرهما ، ولكنه قد يسمى كل واحد منهما باسم الآخر ، وقد ورد ذلك في الكتاب والسنة. قوله : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) فيه الإخبار بأن اختلاف اليهود والنصارى كان لمجرد البغي ؛ بعد أن علموا بأنه يجب عليهم الدخول في دين الإسلام ؛ بما تضمنته كتبهم المنزلة إليهم. قال الأخفش : وفي الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلّا من بعد ما جاءهم العلم. والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم : هو خلافهم في كون نبينا صلىاللهعليهوسلم نبيا أم لا؟ وقيل : اختلافهم في نبوّة عيسى ؛ وقيل : اختلافهم في ذات بينهم ، حتى قالت اليهود : ليس النصارى على شيء ، وقالت النصارى : ليس اليهود على شيء. قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ) أي : بالآيات الدالة على أن الدين عند الله الإسلام (فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) فيجازيه ، ويعاقبه على كفره بآياته ، والإظهار في قوله : فإن الله ، مع كونه مقام الإضمار : للتهويل عليهم والتهديد لهم. قوله : (فَإِنْ حَاجُّوكَ) أي : جادلوك بالشبه الباطلة والأقوال المحرّفة ، (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) أي : أخلصت ذاتي لله ، وعبر بالوجه عن سائر الذات لكونه أشرف أعضاء الإنسان ، وأجمعها للحواس ، وقيل : الوجه هنا : بمعنى القصد. وقوله : (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) عطف على فاعل أسلمت ، وجاز للفصل ، وأثبت نافع ، وأبو عمرو ، ويعقوب الياء في : اتبعن ، على الأصل وحذفها الآخرون اتباعا لرسم المصحف ، ويجوز أن تكون الواو بمعنى : مع ، والمراد بالأميين هنا : مشركو العرب. وقوله : (أَأَسْلَمْتُمْ) استفهام تقرير يتضمن الأمر ، أي : أسلموا ، كذا قاله ابن جرير وغيره. وقال الزجاج : (أَأَسْلَمْتُمْ) تهديد ، والمعنى : أنه قد أتاكم من البراهين ما يوجب الإسلام ، فهل عملتم بموجب ذلك أم لا؟ تبكيتا لهم وتصغيرا لشأنهم في الإنصاف وقبول الحق. وقوله : (فَقَدِ اهْتَدَوْا) أي : ظفروا بالهداية التي هي الحظ الأكبر ، وفازوا بخير الدنيا والآخرة (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي : أعرضوا عن قبول الحجة ولم يعملوا بموجبها : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) أي : فإنما عليك أن تبلغهم ما أنزل إليك ، ولست عليهم بمسيطر ، فلا
__________________
(١). النحل : ٥٢.