الذي افترض عليهم في غير سرف ولا إملاق ، ولا تبذير ولا فساد. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن المسيب قال : نزلت في عبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفان ، في نفقتهم في جيش العسرة.
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧))
الربا في اللغة : الزيادة مطلقا ، يقال : ربا الشيء يربو : إذا زاد ، وفي الشرع يطلق على شيئين ، على ربا الفضل ، وربا النسيئة حسبما هو مفصل في كتب الفروع ، وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدين قال من هو له لمن هو عليه : أتقضي أم تربي؟ فإذا لم يقض زاد مقدارا في المال الذي عليه وأخر له الأجل إلى حين. وهذا حرام بالاتفاق ، وقياس كتابة الربا بالياء للكسرة في أوّله. وقد كتبوه في المصحف بالواو. قال في الكشاف : على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة ، وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع. انتهى. قلت : وهذا مجرد اصطلاح لا يلزم المشي عليه ، فإن هذه النقوش الكتابية أمور اصطلاحية لا يشاحح في مثلها إلا فيما كان يدل به منها على الحرف الذي كان في أصل الكلمة ونحوه كما هو مقرر في مباحث الخط من علم الصرف ، وعلى كل حال فرسم الكلمة وجعل نقشها الكتابي على ما يقتضيه اللفظ بها هو الأولى ، فما كان في النطق ألفا كالصلاة والزكاة ونحوهما كان الأولى في رسمه أن يكون كذلك ، وكون أصل الألف واوا أو ياء لا يخفى على من يعرف علم الصرف ، وهذه النقوش ليست إلا لفهم اللفظ الذي يدل بها عليه كيف هو في نطق من ينطق به لا لتفهيم أن أصل الكلمة كذا مما لا يجري به النطق ، فاعرف هذا ولا تشتغل بما يعتبره كثير من أهل العلم في هذه النقوش ، ويلزمون به أنفسهم ، ويعيبون من خالفه ، فإن ذلك من المشاحّة في الأمور الاصطلاحية التي لا تلزم أحدا أن يتقيد بها ، فعليك بأن ترسم هذه النقوش على ما يلفظ به اللافظ عند قراءتها ، فإنه الأمر المطلوب من وضعها والتواضع عليها ، وليس الأمر المطلوب منها أن تكون دالة على ما هو أصل الكلمة التي يتلفظ بها المتلفظ مما لا يجري في لفظه الآن ، فلا تغترّ بما يروى عن سيبويه ونحاة البصرة أن يكتب الربا بالواو ، لأنه يقول في تثنيته ربوان. وقال الكوفيون : يكتب بالياء ، وتثنيته ربيان. قال الزجاج : ما رأيت خطأ أقبح من هذا ولا أشنع ، لا يكفيهم الخطأ في الخط حتى يخطئوا في التثنية وهم يقرءون : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا) (١) وليس المراد بقوله هنا : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) اختصاص هذا الوعيد بمن يأكله ، بل هو عام لكل من يعامل بالربا فيأخذه ويعطيه ، وإنما خص الآكل لزيادة التشنيع على فاعله ، ولكونه هو الغرض الأهمّ فإن آخذ الربا إنما أخذه للأكل ، قوله : (لا يَقُومُونَ) أي : يوم القيامة ، كما يدل عليه قراءة ابن مسعود : (لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ يوم
__________________
(١). الروم : ٣٩.