ما كان ، وهو متعلق بمحذوف ، أي : أيّ شيء تنفقون كائنا من خير ، ثم بين أن النفقة المعتدّ بها المقبولة إنما هي ما كان ابتغاء وجه الله سبحانه : أي : لابتغاء وجه الله. وقوله : (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) أي : أجره وثوابه على الوجه الذي تقدّم ذكره من التضعيف. قوله : (لِلْفُقَراءِ) متعلق بقوله : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) أو بمحذوف : أي : اجعلوا ذلك للفقراء ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : إنفاقكم للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله بالغزو أو الجهاد ؛ وقيل : منعوا عن التكسب لما هم فيه من الضعف : الذين (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) للتكسب بالتجارة والزراعة ، ونحو ذلك بسبب ضعفهم ، قيل : هم فقراء الصفة ؛ وقيل : كل من يتصف بالفقر وما ذكر معه. ثم ذكر سبحانه من أحوال أولئك الفقراء ما يوجب الحنوّ عليهم والشفقة بهم ، وهو كونهم متعففين عن المسألة وإظهار المسكنة بحيث يظنهم الجاهل بهم أغنياء. والتعفف : تفعل ، وهو بناء مبالغة ، من عف عن الشيء : إذا أمسك عنه وتنزّه عن طلبه ، وفي «يحسبهم» لغتان : فتح السين ، وكسرها. قال أبو عليّ الفارسيّ : والفتح أقيس. لأن العين من الماضي مكسورة ، فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة. فالقراءة بالكسر على هذا حسنة وإن كانت شاذة. و «من» في قوله : (مِنَ التَّعَفُّفِ) لابتداء الغاية ؛ وقيل لبيان الجنس. قوله : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) أي : برثاثة ثيابهم ، وضعف أبدانهم ، وكل ما يشعر بالفقر والحاجة. والخطاب إما لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو لكل من يصلح للمخاطبة ، والسيما مقصورة : العلامة ، وقد تمد. والإلحاف : الإلحاح في المسألة ، وهو مشتق من اللحاف ، سمي بذلك : لاشتماله على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف على التغطية. ومعنى قوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) أنهم لا يسألونهم البتة ، لا سؤال إلحاح ، ولا سؤال غير إلحاح. وبه قال الطبري والزجاج ، وإليه ذهب جمهور المفسرين ، ووجهه : أن التعفف صفة ثابتة لهم لا تفارقهم ، ومجرد السؤال ينافيها ؛ وقيل : المراد أنهم إذا سألوا بتلطف ولا يلحفون في سؤالهم ، وهذا وإن كان هو الظاهر من توجه النفي إلى القيد دون المقيد ، لكن صفة التعفف تنافيه ، وأيضا كون الجاهل بهم يحسبهم أغنياء لا يكون إلا مع عدم السؤال البتة. وقوله : (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) يفيد زيادة رغبتهم في الإنفاق وشدّة حرصهم عليه ، حتى أنهم لا يتركون ذلك ليلا ولا نهارا ، ويفعلونه سرّا وجهرا عند أن تنزل بهم حاجة المحتاجين ، ويظهر لديهم فاقة المفتاقين في جميع الأزمنة على جميع الأحوال. ودخول الفاء في خبر الموصول أعني قوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) للدلالة على سببية ما قبلها لما بعدها ؛ وقيل : هي للعطف ، والخبر للموصول محذوف ، أي : ومنهم الذين ينفقون.
وقد أخرج عبد بن حميد ، والنسائي ، والبزار ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في سننه ، والضياء في المختارة عن ابن عباس ، قال : كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فنزلت هذه الآية : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) إلى قوله : (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) فرخص لهم. وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والضياء عنه قال إن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يأمرنا أن لا نتصدّق إلا على أهل الإسلام ، حتى نزلت هذه الآية ، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنفية نحوه. وأخرج ابن جرير