مقبولة وغير مقبولة ، وكل نذر مقبول أو غير مقبول. وقوله : (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) فيه معنى الوعد لمن أنفق ونذر على الوجه المقبول ، والوعيد لمن جاء بعكس ذلك. ووحد الضمير مع كون مرجعه شيئين ، هما : النفقة والنذر ، لأن التقدير : وما أنفقتم من نفقة فإن الله يعلمها ، أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ، ثم حذف أحدهما استغناء بالآخر ، قاله النحاس ؛ وقيل : إن ما كان العطف فيه بكلمة «أو» كما في قولك : زيد أو عمرو ، فإنه يقال : أكرمته ولا يقال أكرمتها ، والأولى أن يقال إن العطف بأو يجوز فيه الأمران : توحيد الضمير كما في هذه الآية ، وفي قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) (١). وقوله : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) (٢) ، وتثنيته ، كما في قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) (٣) ومن الأوّل في العطف بالواو قول امرئ القيس :
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها |
|
لما نسجتها من جنوب وشمأل |
ومنه قول الشاعر :
نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرأي مختلف |
ومنه : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) (٤) وقيل : إنه إذا وحد الضمير بعد ذكر شيئين أو أشياء فهو بتأويل المذكور ، أي : فإن الله يعلم المذكور ، وبه جزم ابن عطية ورجحه القرطبي ، وذكر معناه كثير من النحاة في مؤلفاتهم. قوله : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) أي : ما للظالمين أنفسهم ـ بما وقعوا فيه من الإثم لمخالفة ما أمر الله به من الإنفاق في وجوه الخير ـ من أنصار ينصرونهم ويمنعونهم من عقاب الله ، بما ظلموا به أنفسهم ، والأولى الحمل على العموم من غير تخصيص لما يفيده السياق : أي : ما للظالمين بأيّ مظلمة كانت من أنصار. قوله : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) قرئ : بفتح النون وكسر العين ، وبكسرهما وبكسر النون وسكون العين ، وبكسر النون وإخفاء حركة العين. وقد حكى النحويون في «نعمّ» : أربع لغات ، وهي هذه التي قرئ بها ، وفي هذا نوع تفصيل لما أجمل في الشرطية المتقدمة ، أي : إن تظهروا الصدقات فنعم شيئا إظهارها ، وإن تخفوها وتصيبوا بها مصارفها من الفقراء فالإخفاء خير لكم. وقد ذهب جمهور المفسرين : إلى أن هذه الآية في صدقة التطوّع ، لا في صدقة الفرض ، فلا فضيلة للإخفاء فيها ، بل قد قيل : إن الإظهار فيها أفضل ، وقالت طائفة : إن الإخفاء أفضل في الفرض والتطوّع. قوله : (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) قرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، وعاصم في رواية أبي بكر ، وقتادة ، وابن إسحاق : نكفر بالنون والرفع. وقرأ ابن عامر ، وعاصم في رواية حفص : بالياء والرفع. وقرأ الأعمش ، ونافع ، وحمزة ، والكسائي : بالنون والجزم. وقرأ ابن عباس : بالتاء الفوقية وفتح الفاء والجزم. وقرأ الحسين ابن علي الجعفي بالنون ونصب الراء. فمن قرأ بالرفع فهو معطوف على محل الجملة الواقعة جوابا بعد الفاء ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف. ومن يقرأ بالجزم فهو معطوف على الفاء وما بعدها. ومن قرأ بالنصب فعلى تقدير : أن. قال سيبويه : والرفع هاهنا الوجه الجيد ، وأجاز الجزم بتأويل : وإن تخفوها يكن الإخفاء خيرا
__________________
(١). الجمعة : ١١.
(٢). النساء : ١١٢.
(٣). النساء : ١٣٥.
(٤). التوبة : ٣٤.