الْمُحْسِنِينَ) قال رجل : إن أحسنت فعلت ، وإن لم أرد ذلك لم أفعل ، فأنزل الله : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال : نسخت هذه الآية بقوله : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) (١). وأخرج أيضا عن عتاب بن خصيف في قوله : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ) قال : كان ذلك قبل الفرائض. وأخرج مالك ، وعبد الرزاق ، والشافعي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي عن ابن عمر قال : لكل مطلقة متعة إلا التي تطلقها ولم تدخل بها فقد فرض لها ، كفى بالنصف متاعا ، وأخرج ابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب قال : لكل مؤمنة طلقت حرة أو أمة متعة ؛ وقرأ : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ). وأخرج البيهقي عن جابر بن عبد الله قال : «لما طلّق حفص بن المغيرة امرأته فاطمة أتت النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال لزوجها : «متّعها ، قال : لا أجد ما أمتعها ، قال : فإنه لا بدّ من المتاع ، متّعها ولو نصف صاع من تمر». وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية في الآية ، قال : لكلّ مطلقة متعة.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥))
الاستفهام هنا للتقرير ، والرؤية المذكورة هي رؤية القلب لا رؤية البصر. والمعنى عند سيبويه : تنبه إلى أمر الذين خرجوا ، ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين كذا قيل. وحاصله : أن الرؤية هنا التي بمعنى الإدراك مضمنة معنى التنبيه ، ويجوز أن تكون مضمنة معنى الانتهاء ، أي : ألم ينته علمك إليهم ؛ أو معنى الوصول ، أي : ألم يصل علمك إليهم ؛ ويجوز أن تكون بمعنى الرؤية البصرية ، أي : ألم تنظر إلى الذين خرجوا. جعل الله سبحانه قصة هؤلاء لما كانت بمكان من الشيوع والشهرة يحمل كل أحد على الإقرار بها بمنزلة المعلومة لكل فرد ، أو المبصرة لكل مبصر ، لأن أهل الكتاب قد أخبروا بها ودوّنوها وأشهروا أمرها ، والخطاب هنا لكل من يصلح له. والكلام جار مجرى المثل في مقام التعجيب ، ادّعاء لظهوره وجلائه بحيث يستوي في إدراكه الشاهد والغائب. وقوله : (وَهُمْ أُلُوفٌ) في محل نصب على الحال من ضمير خرجوا ، وألوف : من جموع الكثرة ، فدل على أنها ألوف كثيرة. وقوله : (حَذَرَ الْمَوْتِ) مفعول له. وقوله : (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) هو أمر تكوين ، عبارة عن تعلق إرادته بموتهم دفعة ، أو : تمثيل ، لإماتته سبحانه إياهم ميتة نفس واحدة ، كأنهم أمروا فأطاعوا. قوله : (ثُمَّ أَحْياهُمْ) هو معطوف على مقدّر يقتضيه المقام ، أي : قال الله لهم : موتوا فماتوا ثم أحياهم ، أو : على قال ، لما كان عبارة عن الإماتة ، وقوله : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) التنكير في قوله : فضل ، للتعظيم ، أي : لذو فضل عظيم على الناس جميعا ، وأما هؤلاء الذين خرجوا ؛ فلكونه أحياهم ، ليعتبروا ، وأما المخاطبون : فلكونه قد أرشدهم إلى الاعتبار والاستبصار بقصة هؤلاء. قوله
__________________
(١). البقرة : ٢٣٧.