(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) هو معطوف على مقدّر ، كأنه قيل : اشكروا فضله بالاعتبار بما قصّ عليكم وقاتلوا ، هذا إذا كان الخطاب بقوله : (وَقاتِلُوا) راجعا إلى المخاطبين بقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا) كما قاله جمهور المفسرين ، وعلى هذا يكون إيراد هذه القصة لتشجيع المسلمين على الجهاد ؛ وقيل إن الخطاب للذين أحيوا من بني إسرائيل فيكون عطفا على قوله : (مُوتُوا) وفي الكلام محذوف تقديره : وقال لهم : قاتلوا. وقال ابن جرير : لا وجه لقول من قال : إن الأمر بالقتال للذين أحيوا. وقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) لما أمر سبحانه بالقتال والجهاد أمر بالإنفاق في ذلك ، و «من» استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء ، و «ذا» خبره ، و «الذي» وصلته وصف له ، أو بدل منه ، وإقراض الله : مثل لتقديم العمل الصالح الذي يستحق به فاعله الثواب ، وأصل القرض : اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء ، يقال : أقرض فلان فلانا ، أي : أعطاه ما يتجازاه. قال الشاعر :
وإذا جوزيت قرضا فاجزه
وقال الزجاج : القرض في اللغة : البلاء الحسن ، والبلاء السيئ.
قال أمية :
كلّ امرئ سوف يجزى قرضه حسنا |
|
أو سيّئا ومدينا مثل ما دانا |
وقال آخر :
تجازى القروض بأمثالها |
|
فبالخير خيرا وبالشرّ شرّا |
وقال الكسائي : القرض : ما أسلفت من عمل صالح أو سيئ ، وأصل الكلمة : القطع ، ومنه المقراض ، واستدعاء القرض في الآية إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه. والله هو الغني الحميد : شبه عطاء المؤمن ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض ، كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء. وقوله : (حَسَناً) أي : طيبة به نفسه من دون منّ ولا أذى. وقوله : (فَيُضاعِفَهُ) قرأ عاصم وغيره : بالألف ونصب الفاء. وقرأ نافع وأبو عمرة وحمزة والكسائي : بإثبات الألف ورفع الفاء ، وقرأ ابن عامر ويعقوب : فيضعّفه بإسقاط الألف مع تشديد العين ونصب الفاء. وقرأ ابن كثير وأبو جعفر : بالتشديد ورفع الفاء. فمن نصب فعلى أنه جواب الاستفهام ، ومن رفع فعلى تقدير مبتدأ ، أي : هو يضاعفه. وقد اختلف في تقدير هذا التضعيف على أقوال. وقيل : لا يعلمه إلا الله وحده. وقوله : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) هذا عام في كل شيء ، فهو القابض الباسط ، والقبض : التقتير ، والبسط : التوسيع ؛ وفيه وعيد بأن من بخل من البسط يوشك أن يبدل بالقبض ، ولهذا قال : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي : هو يجازيكم بما قدمتم عند الرجوع إليه ، وإذا أنفقتم مما وسع به عليكم أحسن إليكم ، وإن بخلتم عاقبكم.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم عن ابن عباس في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) قال : كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون ، وقالوا : نأتي أرضا ليس بها موت ، حتى