ومن خاف هرب. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠))
السائلون في قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ) هم المؤمنون ، كما سيأتي بيانه عند ذكر سبب نزول الآية ، والخمر : مأخوذة من خمر إذا ستر ، ومنه : خمار المرأة ، وكل شيء غطى شيئا فقد خمره ، ومنه «خمّروا آنيتكم» وسمي خمرا : لأنه يخمر العقل ، أي : يغطيه ويستره ، ومن ذلك الشجر الملتف يقال له : الخمر بفتح الميم ، لأنه يغطي ما تحته ويستره ، يقال منه : أخمرت الأرض : كثر خمرها ، قال الشاعر :
ألا يا زيد والضّحاك سيرا |
|
فقد جاوزتما خمر الطّريق |
أي : جاوزتما الوهد ؛ وقيل : إنما سميت الخمر خمرا : لأنها تركت حتى أدركت ، كما يقال : قد اختمر العجين ، أي : بلغ إدراكه ، وخمر الرأي : أي : ترك حتى تبين فيه الوجه ؛ وقيل : إنما سميت الخمر خمرا : لأنها تخالط العقل ، من المخامرة وهي المخالطة. وهذه المعاني الثلاثة متقاربة موجودة في الخمر ، لأنها تركت حتى أدركت ثم خالطت العقل فخمرته ، أي : سترته ، والخمر : ماء العنب الذي غلا واشتدّ وقذف بالزبد ، وما خامر العقل من غيره فهو في حكمه كما ذهب إليه الجمهور. وقال أبو حنيفة ، والثوري ، وابن أبي ليلى ، وابن عكرمة ، وجماعة من فقهاء الكوفة : ما أسكر كثيرة من غير خمر العنب فهو حلال ، أي : ما دون المسكر فيه ، وذهب أبو حنيفة إلى حل ما ذهب ثلثاه بالطبخ ، والخلاف في ذلك مشهور. وقد أطلت الكلام على الخمر في شرحي للمنتقى فليرجع إليه. والميسر مأخوذ من اليسر ، وهو وجوب الشيء لصاحبه ، يقال يسر لي كذا : إذا وجب فهو ييسر يسرا وميسرا ، والياسر اللاعب بالقداح. وقد يسر ييسر. قال الشاعر :
فأعنهم وأيسر كما يسروا به |
|
وإذا هم نزلوا بضنك فانزل |
وقال الأزهري : الميسر : الجزور التي كانوا يتقامرون عليه ، سمي ميسرا : لأنه يجزأ أجزاء ، فكأنه موضع التجزئة ، وكل شيء جزأته فقد يسرته ، والياسر : الجازر. قال : وهذا الأصل في الياسر ، ثم يقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور : يأسرون ، لأنهم جازرون ، إذ كانوا سببا لذلك. وقال في الصحاح : ويسر القوم الجزور : إذا اجتزروها ، واقتسموا أعضاءها ؛ ثم قال : ويقال يسر القوم : إذا قامروا ، ورجل ميسر وياسر بمعنى ، والجمع أيسار. قال النابغة :
إني أتمّم أيساري وأمنحهم |
|
مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما |
والمراد بالميسر في الآية : قمار العرب بالأزلام. قال جماعة من السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم :