موضع ، وترك الأوّل لإيثار الثاني ، والهجر : ضدّ الوصل ، والتهاجر : التقاطع ، والمراد بها هنا : الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام. والمجاهدة : استخراج الجهد ، جهد مجاهدة وجهادا ، والجهاد والتجاهد : بذل الوسع. وقوله : (يَرْجُونَ) معناه : يطمعون ، وإنما قال : يرجون بعد تلك الأوصاف المادحة التي وصفهم بها ؛ لأنه لا يعلم أحد في هذه الدنيا أنه صائر إلى الجنة ؛ ولو بلغ في طاعة الله كل مبلغ. والرجاء : الأمل ، يقال : رجوت فلانا ، أرجو رجاء ورجاوة. وقد يكون الرجاء بمعنى الخوف كما في قوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) (١) أي : لا تخافون عظمة الله.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والبيهقي في سننه ، بسند صحيح عن جندب بن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم : أنه بعث رهطا ، وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح ، أو عبيدة بن الحارث ، فلما ذهب لينطلق ؛ بكى شوقا وصبابة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فجلس فبعث مكانه عبد الله بن جحش ، وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا ، وقال : لا تكرهنّ أحدا من أصحابك على المسير معك ، فلما قرأ الكتاب استرجع وقال : سمعا وطاعة لله ولرسوله ، فخبّرهم الخبر ، وقرأ عليهم الكتاب ، فرجع رجلان ، ومضى بقيتهم ، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى ، فقال المشركون للمسلمين : قتلتم في الشهر الحرام ، فأنزل الله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) الآية ، فقال بعضهم : إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا) إلى آخر الآية. وأخرج ابن البزار عن ابن عباس أن سبب نزول الآية هو ذلك. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه قال : إن المشركين صدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وردّوه عن المسجد الحرام في شهر حرام ، ففتح الله على نبيه في شهر حرام من العام المقبل ، فعاب المشركون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم القتال في شهر حرام. فقال الله : (قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) من القتال فيه ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم بعث سرية ، فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى وأوّل ليلة من رجب ، وإن أصحاب محمد كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى ، وكانت أوّل رجب ولم يشعروا ، فقتله رجل منهم ، وأخذوا ما كان معه ، وأن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك ، فنزلت الآية. وأخرج ابن إسحاق عنه : أن سبب نزول الآية مصاب عمرو بن الحضرمي. وقد ورد من طرق كثيرة في تعيين السبب مثل ما تقدّم. وأخرج ابن أبي داود عن عطاء بن ميسرة قال : أحلّ القتال في الشهر الحرام في براءة في قوله : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) (٢). وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري : أنه سئل عن هذه الآية فقال : هذا شيء منسوخ ، ولا بأس بالقتال في الشهر الحرام. وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٣). وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) قال : الشرك. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن مجاهد : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ) قال : كفار قريش ، وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله : (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) قال : هؤلاء خيار هذه الأمة ، جعلهم الله أهل رجاء ، إنه من رجا طلب ،
__________________
(١). نوح : ١٣.
(٢). التوبة : ٣٦.
(٣). التوبة : ٥.