الجهاد : قتال المشركين ، وهو خير لكم ، ويجعل الله عاقبته فتحا ، وغنيمة ، وشهادة (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً) يعني : القعود عن الجهاد (وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) فيجعل الله عاقبته شرّا ، فلا تصيبوا ظفرا ولا غنيمة. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : قلت لعطاء ما يقول في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) أوجب الغزو على الناس من أجلها؟ قال : لا ، كتب على أولئك حينئذ. وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن شهاب في الآية قال : الجهاد مكتوب على كل أحد غزا أو قعد ، فالقاعد إن استعين به أعان ، وإن استغيث به أغاث ، وإن استنفر نفر ، وإن استغني عنه قعد. وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) قال : نسختها هذه الآية (وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) (١). وأخرجه ابن جرير موصولا عن عكرمة عن ابن عباس. وأخرج ابن المنذر ، والبيهقي في سننه ، من طريق عليّ قال : عسى من الله : واجب. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي نحوه أيضا. وقد ورد في فضل الجهاد ووجوبه أحاديث كثيرة لا يتسع المقام لبسطها.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨))
قوله : (قِتالٍ فِيهِ) هو بدل اشتمال ، قاله سيبويه. ووجه أن السؤال عن الشهر لم يكن إلّا باعتبار ما وقع فيه من القتال. قال الزجّاج : المعنى : يسألونك عن القتال في الشهر الحرام ، وأنشد سيبويه قول الشاعر :
فما كان قيس هلكه هلك واحد |
|
ولكنّه بنيان قوم تهدّما |
فقوله : هلكه ، بدل اشتمال من قيس. وقال الفرّاء : هو مخفوض ، يعني قوله : (قِتالٍ فِيهِ) على نية عن ، وقال أبو عبيدة : هو مخفوض على الجوار. قال النحاس : لا يجوز أن يعرب الشيء على الجوار في كتاب الله ولا في شيء من الكلام ، وإنما وقع في شيء شاذّ ، وهو قولهم : هذا جحر ضب خرب. وتابع النّحاس ابن عطية في تخطئة أبي عبيدة. قال النحّاس : ولا يجوز إضمار عن ، والقول فيه : أنه بدل. وقرأ ابن مسعود وعكرمة : ويسئلونك عن الشّهر الحرام وعن قتال فيه. وقرأ الأعرج : قتال فيه بالرفع. قال النحاس : وهو غامض في العربية ، والمعنى : يسألونك عن الشهر الحرام جائز قتال فيه. وقوله : (قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) مبتدأ وخبر ، أي : القتال فيه أمر كبير مستنكر ، والشهر الحرام : المراد به الجنس. وقد كانت العرب لا تسفك فيه دما ولا تغير على عدوّ ، والأشهر الحرم هي : ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ،
__________________
(١). البقرة : ٢٨٥.