وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) (١).
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦))
السائلون هنا : هم المؤمنون ، سألوا عن الشيء الذين ينفقونه ما هو؟ فأجيبوا ببيان المصرف الذي يصرفون فيه ، تنبيها على أنه الأولى بالقصد ، لأن الشيء لا يعتدّ به إذا وضع في موضعه وصادف مصرفه ؛ وقيل : إنه قد تضمن قوله : (ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) بيان ما ينفقونه وهو كل خير ؛ وقيل : إنهم إنما سألوا عن وجوه البرّ التي ينفقون فيها ، وهو خلاف الظاهر. وقد تقدّم الكلام في الأقربين ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل. وقوله : (كُتِبَ) أي : فرض ، وقد تقدّم بيان معناه. بين سبحانه أن هذا : أي : فرض القتال عليهم ، من جملة ما امتحنوا به. والمراد بالقتال : قتال الكفار. والكره بالضم : المشقة ، وبالفتح : ما أكرهت عليه ، ويجوز الضم في معنى الفتح ، فيكونان لغتين ، يقال : كرهت الشيء كرها ، وكرها ، وكراهة ، وكراهية ، وأكرهته عليه إكراها ، وإنما كان الجهاد كرها : لأن فيه إخراج المال ، ومفارقة الأهل والوطن ، والتعرّض لذهاب النفس ، وفي التعبير بالمصدر وهو قوله : (كُرْهٌ) مبالغة ؛ ويحتمل أن يكون بمعنى المكروه ، كما في قولهم : الدرهم ضرب الأمير. وقوله : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) قيل : عسى هنا : بمعنى قد ، وروي ذلك عن الأصم. وقال أبو عبيدة : عسى من الله إيجاب ، والمعنى : عسى أن تكرهوا الجهاد لما فيه من المشقة وهو خير لكم ، فربما تغلبون ، وتظفرون ، وتغنمون ، وتؤجرون ، ومن مات مات شهيدا ، وعسى أن تحبّوا الدعة وترك القتال وهو شرّ لكم ، فربما يتقوّى عليكم العدوّ فيغلبكم ، ويقصدكم إلى عقر دياركم ، فيحلّ بكم أشدّ مما تخافونه من الجهاد الذي كرهتم ، مع ما يفوتكم في ذلك من الفوائد العاجلة والآجلة ، (وَاللهُ يَعْلَمُ) ما فيه صلاحكم وفلاحكم (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) قال : يوم نزلت هذه الآية لم تكن زكاة ، وهي النفقة ينفقها الرجل على أهله ، والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن جريج قال : سأل المؤمنون رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أين يضعون أموالهم؟ فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) الآية ، فذلك النفقة في التطوّع والزكاة سواء ذلك كله. وأخرج ابن المنذر : أن عمرو بن الجموح سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ماذا ننفق من أموالنا ، وأين نضعها؟ فنزلت. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) قال : إن الله أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بمكة بالتوحيد ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأن يكفوا أيديهم عن القتال ، فلما هاجر إلى المدينة نزلت سائر الفرائض ، وأذن لهم في القتال ، فنزلت : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) يعني : فرض عليكم ، وأذن لهم بعد ما نهاهم عنه (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) يعني : القتال : وهو مشقة عليكم (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) يعني :
__________________
(١). الأحزاب : ١٠ ـ ١٢.