«فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ ، وسبعة إذا رجع إلى أهله» فبيّن صلىاللهعليهوسلم : أن الرجوع المذكور في الآية هو الرجوع إلى الأهل. وثبت أيضا في الصحيح من حديث ابن عباس بلفظ «وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم» وإنما قال سبحانه : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) مع أن كل أحد يعلم أن الثلاثة والسبعة عشرة ، لدفع أن يتوهم متوهم التخيير بين الثلاثة الأيام في الحج والسبعة إذا رجع. قال الزجّاج. وقال المبرد : ذكر ذلك : ليدل على انقضاء العدد ، لئلا يتوهم متوهم أنه قد بقي منه شيء بعد ذكر السبعة ، وقيل : هو توكيد ، كما تقول : كتبت بيدي. وقد كانت العرب تأتي بمثل هذه الفذلكة (١) فيما دون هذا العدد ، كقول الشاعر :
ثلاث واثنان فهنّ خمس |
|
وسادسة تميل إلى شمامي |
وكذا قول الآخر :
ثلاث بالغداة وذاك حسبي |
|
وستّ حين يدركني العشاء |
فذلك تسعة في اليوم ريّي |
|
وشرب المرء فوق الريّ داء |
وقوله : (كامِلَةٌ) توكيد آخر بعد الفذلكة لزيادة التوصية بصيامها ، وأن لا ينقص من عددها. وقوله : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الإشارة بقوله : (ذلِكَ) قيل : هي راجعة إلى التمتع ، فتدل على أنه لا متعة لحاضري المسجد الحرام ، كما يقوله أبو حنفية وأصحابه ، قالوا : ومن تمتع منهم كان عليه دم ، وهو دم جناية لا يأكل منه ؛ وقيل : إنها راجعة إلى الحكم ، وهو وجوب الهدي والصيام ، فلا يجب ذلك على من كان من حاضري المسجد الحرام ، كما يقوله الشافعي ومن وافقه. والمراد بمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام : من لم يكن ساكنا في الحرم ، أو من لم يكن ساكنا في المواقيت فما دونها على الخلاف في ذلك بين الأئمة. وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) أي : فيما فرضه عليكم من هذه الأحكام ؛ وقيل : هو أمر بالتقوى على العموم ، وتحذير من شدّة عقاب الله سبحانه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الدلائل ، وابن عبد البر في التمهيد ، عن يعلى بن أمية قال : جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وهو بالجعرانة وعليه جبّة وعليه أثر خلوق ، فقال : كيف تأمرني يا رسول الله أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أين السّائل عن العمرة؟ فقال : ها أنذا ، قال : اخلع الجبّة واغسل عنك أثر الخلوق ، ثم ما كنت صانعا في حجّك فاصنعه في عمرتك». وقد أخرجه البخاري ، ومسلم ، وغيرهما من حديثه ، ولكن فيهما : أنه نزل عليه صلىاللهعليهوسلم الوحي بعد السؤال ، ولم يذكر ما هو الذي أنزل عليه. وأخرج ابن أبي شيبة عن عليّ في قوله : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) قال : أن تحرم من دويرة أهلك. وأخرج ابن عديّ والبيهقي مثله من حديث أبي هريرة مرفوعا. وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : من تمامهما أن يفرد كل واحد منهما عن الآخر ، وأن
__________________
(١). الفذلكة : مجمل ما فصل وخلاصته.