شاة ، أو يصوم ثلاثة أيّام». وقد ذكر ابن عبد البرّ : أنه لا خلاف بين العلماء أن النسك هنا شاة. وحكى عن الجمهور : أن الصوم المذكور في الآية ثلاثة أيام ، والإطعام لستة مساكين. وروي عن الحسن وعكرمة ونافع أنهم قالوا : الصوم في فدية الأذى عشرة أيام ، والإطعام عشرة مساكين. والحديث الصحيح المتقدم يردّ عليهم ويبطل قولهم. وقد ذهب مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، وداود : إلى أن الإطعام في ذلك مدان بمد النبي صلىاللهعليهوسلم ، أي : لكل مسكين. وقال الثوري : نصف صاع من بر ، أو صاع من غيره. وروي ذلك عن أبي حنيفة. قال ابن المنذر : وهذا غلط لأن في بعض أخبار كعب أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال له : تصدّق بثلاثة أصوع من تمر على ستة مساكين. واختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل ، فروي عنه مثل قول مالك والشافعي ، وروي عنه : أنه إن أطعم برّا فمدّ لكل مسكين ، وإن أطعم تمرا فنصف صاع. واختلفوا في مكان هذه الفدية فقال عطاء : ما كان من دم فبمكة ، وما كان من طعام أو صيام فحيث شاء. وبه قال أصحاب الرأي. وقال طاوس ، والشافعي : الإطعام والدم لا يكونان إلا بمكة ، والصوم حيث شاء. وقال مالك ومجاهد : حيث شاء في الجميع ، وهو الحق لعدم الدليل على تعيين المكان. قوله : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) أي : برأتم من المرض ـ وقيل : من خوفكم من العدوّ ؛ على الخلاف السابق ، ولكن الأمن من العدوّ أظهر من استعمال أمنتم في ذهاب المرض ، فيكون مقوّيا لقول من قال : إن قوله : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) المراد به : الإحصار من العدوّ ، كما أن قوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) يقوّي قول من قال بذلك ، لإفراد عذر المرض بالذكر. وقد وقع الخلاف : هل المخاطب بهذا هم المحصرون خاصة أم جميع الأمة؟ على حسب ما سلف ، والمراد بالتمتع المذكور في الآية : أن يحرم الرجل بعمرة ، ثم يقيم حلالا بمكة إلى أن يحرم بالحج. فقد استباح بذلك ما لا يحلّ للمحرم استباحته ، وهو معنى : تمتع واستمتع. ولا خلاف بين أهل العلم في جواز التمتع ، بل هو عندي أفضل أنواع الحج ، كما حررته في شرحي على المنتقى. وقد تقدّم الخلاف في معنى قوله : (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ). قوله : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) الآية ، أي : فمن لم يجد الهدي ، إما لعدم المال ؛ أو لعدم الحيوان ، صام ثلاثة أيام في الحج ، أي : في أيام الحج ، وهي من عند شروعه في الإحرام إلى يوم النحر ؛ وقيل : يصوم قبل يوم التروية يوما ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ؛ وقيل : ما بين أن يحرم بالحج إلى يوم عرفة ؛ وقيل : يصومهنّ من أوّل عشر ذي الحجة ، وقيل : ما دام بمكة ، وقيل : إنه يجوز أن يصوم الثلاث قبل أن يحرم. وقد جوّز بعض أهل العلم صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي ، ومنعه آخرون. قوله : (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) قرأه الجمهور بخفض سبعة ، وقرأ زيد ابن عليّ ، وابن أبي عبلة بالنصب على أنه معمول بفعل مقدّر ، أي : وصوموا سبعة ، وقيل : على أنه معطوف على ثلاثة ، لأنها وإن كانت مجرورة لفظا فهي في محل نصب ، كأنه قيل : فصيام ثلاثة. والمراد بالرجوع هنا : الرجوع إلى الأوطان. قال أحمد ، وإسحاق : يجزيه الصوم في الطريق ، ولا يتضيق عليه الوجوب إلا إذا وصل وطنه ، وبه قال الشافعي ، وقتادة ، والربيع ، ومجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، والحسن وغيرهم. وقال مالك : إذ رجع من منى فلا بأس أن يصوم ، والأوّل أرجح. وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أنه قال صلىاللهعليهوسلم :