جميعا في براءة قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١) (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (٢). وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا) قال : فإن تابوا. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، من طرق عن ابن عباس في قوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) يقول : شرك بالله (وَيَكُونَ الدِّينُ) ويخلص التوحيد الله. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن مجاهد في الآية ، قال : الشرك. وقوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) قال : لا تقاتلوا إلا من قاتلكم. وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله : (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) يقول : حتى لا تعبدوا إلا الله. وأخرج أيضا عن عكرمة في قوله : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) قال : هم من أبى أن يقول لا إله إلا الله. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه.
(الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤))
قوله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) أي : إذا قاتلوكم في الشهر الحرام وهتكوا حرمته قاتلتموهم في الشهر الحرام مكافأة لهم ومجازاة على فعلهم. (وَالْحُرُماتُ) : جمع حرمة ، كالظلمات : جمع ظلمة ؛ وإنما جمع الحرمات لأنه أراد الشهر الحرام ، والبلد الحرام ، وحرمة الإحرام ، والحرمة : ما منع الشرع من انتهاكه. والقصاص : المساواة ، والمعنى : أن كل حرمة يجري فيها القصاص ، فمن هتك حرمة عليكم فلكم أن تهتكوا حرمة عليه قصاصا ، قيل : وهذا كان في أوّل الإسلام ثم نسخ بالقتال ؛ وقيل : إنه ثابت بين أمة محمد صلىاللهعليهوسلم لم ينسخ ، ويجوز لمن تعدّي عليه في مال أو بدن أن يتعدّى بمثل ما تعدّي عليه ، وبهذا قال الشافعي وغيره. وقال آخرون : إن أمور القصاص مقصورة على الحكام ، وهكذا الأموال ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك» أخرجه الدارقطني وغيره ، وبه قال أبو حنيفة ، وجمهور المالكية ، وعطاء الخراساني ، والقول الأوّل أرجح ، وبه قال ابن المنذر ، واختاره ابن العربي ، والقرطبي ، وحكاه الداودي عن مالك ، ويؤيده : إذنه صلىاللهعليهوسلم لامرأة أبي سفيان ، أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها ، وهو في الصحيح ، ولا أصرح وأوضح من قوله تعالى في هذه الآية : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٣) وهذه الجملة في حكم التأكيد للجملة الأولى ، أعني : قوله : (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) وإنما المكافأة اعتداء مشاكلة ، كما تقدّم.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما سار رسول الله صلىاللهعليهوسلم معتمرا في سنة ستّ من الهجرة ، وحبسه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت ، وصدّوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة ، وهو شهر حرام ، قاضاهم على الدخول من قابل ، فدخلها في السنة الآتية هو ومن كان معه من المسلمين ، وأقصّه الله منهم ، نزلت في ذلك هذه الآية : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ). وأخرج ابن جرير ،
__________________
(١). التوبة : ٩.
(٢). التوبة : ٣٦.
(٣). البقرة : ١٩٤.