وتصريف الرياح ؛ فإن من أمعن نظره ؛ وأعمل فكره في واحد منها ؛ انبهر له ،
وضاق ذهنه عن تصوّر حقيقته. وتحتم عليه التصديق بأن صانعه هو الله سبحانه ؛ وإنما
جمع السموات لأنها أجناس مختلفة ، كل سماء من جنس غير جنس الأخرى ، ووحد الأرض
لأنها كلها من جنس واحد وهو التراب. والمراد باختلاف الليل والنهار تعاقبهما
بإقبال أحدهما وإدبار الآخر ، وإضاءة أحدهما وإظلام الآخر. والنهار : ما بين طلوع
الفجر إلى غروب الشمس. وقال النضر بن شميل : أوّل النهار طلوع الشمس ، ولا يعدّ ما
قبل ذلك من النهار. وكذا قال ثعلب ، واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت :
والشّمس تطلع
كلّ آخر ليلة
|
|
حمراء يصبح
لونها يتورّد
|
وكذا قال
الزجاج. وقسم ابن الأنباري الزمان إلى ثلاثة أقسام : قسما جعله ليلا محضا ، وهو من
غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وقسما جعله نهارا محضا ، وهو من طلوع الشمس إلى
غروبها. وقسما جعله مشتركا بين النهار والليل ، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس لبقايا ظلمة الليل ومبادئ ضوء النهار. هذا باعتبار مصطلح أهل اللغة. وأما في
الشرع : فالكلام في ذلك معروف. والفلك : السفن ، وإفراده وجمعه بلفظ واحد ، وهو هذا
، ويذكر ويؤنث. قال الله تعالى : (فِي الْفُلْكِ
الْمَشْحُونِ) (وَالْفُلْكِ الَّتِي
تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) وقال : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ
فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) وقيل : واحده فلك بالتحريك ، مثل أسد وأسد. وقوله : (بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) يحتمل أن تكون ما : موصولة أي : بالذي ينفعهم ، أو
مصدرية : أي بنفعهم ، والمراد بما أنزل من السماء : المطر الذي به حياة العالم
وإخراج النبات والأرزاق. والبثّ : النشر ، والظاهر أن قوله : (بَثَ) معطوف على قوله (فَأَحْيا) لأنهما أمران متسببان عن إنزال المطر. وقال في الكشاف :
إن الظاهر عطفه على أنزل. والمراد بتصريف الرياح : إرسالهما عقيما ، وملقحة ،
وصرّا ، ونصرا ، وهلاكا ، وحارة ، وباردة ، ولينة ، وعاصفة ، وقيل : تصريفها :
إرسالها جنوبا ، وشمالا ، ودبورا ، وصبا ، ونكباء ، وهي التي تأتي بين مهبي ريحين
؛ وقيل : تصريفها : أن تأتي السفن الكبار بقدر ما تحملها والصغار كذلك ، ولا مانع
من حمل التصريف على جميع ما ذكر. والسحاب سمي سحابا : لانسحابه في الهواء ، وسحبت
ذيلي سحبا ، وتسحب فلان على فلان : اجترأ. والمسخر : المذلل ، وسخره : بعثه من
مكان إلى آخر ؛ وقيل : تسخيره : ثبوته بين السماء والأرض من غير عمد ولا علائق.
والأوّل أظهر. والآيات : الدلالات على وحدانيته سبحانه لمن ينظر ببصره ويتفكر
بعقله.
وقد أخرج ابن
أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : قالت قريش للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ادع الله أن يجعل لنا الصّفا ذهبا نتقوّى به على عدوّنا
، فأوحى الله إليه : إني معطيهم فأجعل لهم الصّفا ذهبا ، ولكن إن كفروا بعد ذلك
عذّبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، فقال : ربّ دعني وقومي فأدعوهم يوما
بيوم ، فأنزل الله هذه الآية. وأخرج نحوه عبد بن حميد ، وابن جرير عن سعيد بن
جبير. وأخرج وكيع ، والفريابي ، وآدم بن أبي إياس ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر
، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، والبيهقي في
__________________