عن بعض ما في التوراة ، فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم ، فأنزل الله فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا) الآية. وقد روي عن جماعة من السلف أن الآية نزلت في أهل الكتاب لكتمهم نبوّة نبينا صلىاللهعليهوسلم. وأخرج ابن ماجة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب قال : كنا في جنازة مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : إنّ الكافر يضرب ضربة بين عينيه فتسمعه كلّ دابة غير الثقلين ، فتلعنه كلّ دابّة سمعت صوته ، فذلك قول الله تعالى : (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) يعني دوابّ الأرض. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : الجنّ والإنس وكل دابة. وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد عن مجاهد قال : إذا أجدبت البهائم دعت على فجار بني آدم. وأخرج عنه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في شعب الإيمان ، قال في تفسير الآية : إن دوابّ الأرض والعقارب والخنافس يقولون : إنما منعنا القطر بذنوبهم ، فيلعنونهم. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن عكرمة نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر قال : يلعنهم كل شيء حتى الخنفساء. وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن كتم العلم والوعيد لفاعله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا) قال : أصلحوا ما بينهم وبين الله ، وبيّنوا الذي جاءهم من الله ، ولم يكتموه ولم يجحدوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) يعني : أتجاوز عنهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ، ثم تلعنه الملائكة ، ثم يلعنه الناس أجمعون. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة قال : يعني بالناس أجمعين : المؤمنين. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله : (خالِدِينَ فِيها) يقول : خالدين في جهنم في اللعنة. وقال في قوله : (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) يقول : لا ينظرون فيعتذرون. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) قال : لا يؤخرون. وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والدارمي ، وأبو داود ، والترمذي وصحّحه ، وابن ماجة ، عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) و (الم ـ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (١). وأخرج الديلمي عن أنس أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس شيء أشدّ على مردة الجنّ من هؤلاء الآيات التي في سورة البقرة (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) الآيتين».
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤))
لما ذكر سبحانه التوحيد بقوله : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) عقب ذلك بالدليل الدالّ عليه ، وهو : هذه الأمور التي هي من أعظم صنعة الصانع الحكيم ، مع علم كل عاقل بأنه لا يتهيأ من أحد من الآلهة التي أثبتها الكفار أن يأتي بشيء منها ، أو يقتدر عليه ، أو على بعضه ، وهي خلق السموات ، وخلق الأرض ، وتعاقب الليل والنهار ، وجري الفلك في البحر ، وإنزال المطر من السماء ، وإحياء الأرض به ، وبثّ الدوابّ منها بسببه ،
__________________
(١). آل عمران : ١ ـ ٢.