إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

فتح القدير [ ج ١ ]

فتح القدير [ ج ١ ]

189/632
*

وتصريف الرياح ؛ فإن من أمعن نظره ؛ وأعمل فكره في واحد منها ؛ انبهر له ، وضاق ذهنه عن تصوّر حقيقته. وتحتم عليه التصديق بأن صانعه هو الله سبحانه ؛ وإنما جمع السموات لأنها أجناس مختلفة ، كل سماء من جنس غير جنس الأخرى ، ووحد الأرض لأنها كلها من جنس واحد وهو التراب. والمراد باختلاف الليل والنهار تعاقبهما بإقبال أحدهما وإدبار الآخر ، وإضاءة أحدهما وإظلام الآخر. والنهار : ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وقال النضر بن شميل : أوّل النهار طلوع الشمس ، ولا يعدّ ما قبل ذلك من النهار. وكذا قال ثعلب ، واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت :

والشّمس تطلع كلّ آخر ليلة

حمراء يصبح لونها يتورّد

وكذا قال الزجاج. وقسم ابن الأنباري الزمان إلى ثلاثة أقسام : قسما جعله ليلا محضا ، وهو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وقسما جعله نهارا محضا ، وهو من طلوع الشمس إلى غروبها. وقسما جعله مشتركا بين النهار والليل ، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لبقايا ظلمة الليل ومبادئ ضوء النهار. هذا باعتبار مصطلح أهل اللغة. وأما في الشرع : فالكلام في ذلك معروف. والفلك : السفن ، وإفراده وجمعه بلفظ واحد ، وهو هذا ، ويذكر ويؤنث. قال الله تعالى : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (١) (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) وقال : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) (٢) وقيل : واحده فلك بالتحريك ، مثل أسد وأسد. وقوله : (بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) يحتمل أن تكون ما : موصولة أي : بالذي ينفعهم ، أو مصدرية : أي بنفعهم ، والمراد بما أنزل من السماء : المطر الذي به حياة العالم وإخراج النبات والأرزاق. والبثّ : النشر ، والظاهر أن قوله : (بَثَ) معطوف على قوله (فَأَحْيا) لأنهما أمران متسببان عن إنزال المطر. وقال في الكشاف : إن الظاهر عطفه على أنزل. والمراد بتصريف الرياح : إرسالهما عقيما ، وملقحة ، وصرّا ، ونصرا ، وهلاكا ، وحارة ، وباردة ، ولينة ، وعاصفة ، وقيل : تصريفها : إرسالها جنوبا ، وشمالا ، ودبورا ، وصبا ، ونكباء ، وهي التي تأتي بين مهبي ريحين ؛ وقيل : تصريفها : أن تأتي السفن الكبار بقدر ما تحملها والصغار كذلك ، ولا مانع من حمل التصريف على جميع ما ذكر. والسحاب سمي سحابا : لانسحابه في الهواء ، وسحبت ذيلي سحبا ، وتسحب فلان على فلان : اجترأ. والمسخر : المذلل ، وسخره : بعثه من مكان إلى آخر ؛ وقيل : تسخيره : ثبوته بين السماء والأرض من غير عمد ولا علائق. والأوّل أظهر. والآيات : الدلالات على وحدانيته سبحانه لمن ينظر ببصره ويتفكر بعقله.

وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : قالت قريش للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ادع الله أن يجعل لنا الصّفا ذهبا نتقوّى به على عدوّنا ، فأوحى الله إليه : إني معطيهم فأجعل لهم الصّفا ذهبا ، ولكن إن كفروا بعد ذلك عذّبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، فقال : ربّ دعني وقومي فأدعوهم يوما بيوم ، فأنزل الله هذه الآية. وأخرج نحوه عبد بن حميد ، وابن جرير عن سعيد بن جبير. وأخرج وكيع ، والفريابي ، وآدم بن أبي إياس ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، والبيهقي في

__________________

(١). الشعراء : ١١٩ ويس : ٤١.

(٢). يونس : ٢٢.