العزّ والذل ، وقيل : إن العرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء ، وأن المعنى هنا : الوجه وغيره ؛ وقيل : المراد بالوجه هنا : المقصد ، أي : من أخلص مقصده وقوله (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في محل نصب على الحال ، والضمير في قوله : (وَجْهَهُ) و (فَلَهُ) باعتبار لفظ من ، وفي قوله : (عَلَيْهِمْ) باعتبار معناها. وقوله : (مَنْ) إن كانت الموصولة فهي فاعل لفعل محذوف ، أي : بلى يدخلها من أسلم. وقوله : (فَلَهُ) معطوف على (مَنْ أَسْلَمَ) وإن كانت من شرطية ، فقوله : (فَلَهُ) هو الجزاء ، ومجموع الشرط والجزاء ردّ على أهل الكتاب وإبطال لتلك الدعوى. وقوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ) وما بعده ، فيه أن كل طائفة تنفي الخير عن الأخرى ، ويتضمن ذلك إثباته لنفسها ، تحجرا لرحمة الله سبحانه. قال في الكشاف : إن الشيء هو الذي يصح ويعتدّ به ، قال : وهذه مبالغة عظيمة ، لأن المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء ، وإذا نفي إطلاق اسم الشيء عليه فقد بولغ في ترك الاعتداد به إلى ما ليس بعده ، وهكذا قولهم : أقلّ من لا شيء. وقوله : (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) أي : التوراة والإنجيل ، والجملة حالية ؛ وقيل : المراد جنس الكتاب ، وفي هذا أعظم توبيخ وأشدّ تقريع ، لأن الوقوع في الدعاوي الباطلة ، والتكلم بما ليس عليه برهان ، وهو وإن كان قبيحا على الإطلاق ، لكنه من أهل العلم والدراسة لكتب الله أشدّ قبحا ، وأفظع جرما ، وأعظم ذنبا. وقوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) المراد بهم : كفار العرب الذين لا كتاب لهم ، قالوا : مثل مقالة اليهود ، اقتداء بهم ، لأنهم جهلة ، لا يقدرون على غير التقليد لمن يعتقدون أنه من أهل العلم ، وقيل : المراد بهم : طائفة من اليهود والنصارى ، وهم الذين لا علم عندهم ، ثم أخبرنا سبحانه ، بأنه المتولي لفصل هذه الخصومة التي وقع فيها الخلاف عند الرجوع إليه ، فيعذب من يستحق التعذيب ، وينجي من يستحق النجاة.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ) الآية ، قال : قالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا ، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا ، (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) قال : أمانيّ يتمنونها على الله بغير الحق (قُلْ : هاتُوا بُرْهانَكُمْ) قال : حجتكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بما تقولونه أنه كما تقولون (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) يقول : أخلص لله. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) قال : حجتكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ) قال : أخلص دينه. وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتتهم أحبار اليهود ، فتنازعوا عند رسول الله ، فقال رافع ابن حريملة : ما أنتم على شيء ، وكفر بعيسى والإنجيل ، فقال له رجل من أهل نجران : ما أنتم على شيء ، وجحد نبوّة موسى وكفر بالتوراة ، قال : فأنزل الله في ذلك : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) أي كلّ يتلو في كتابه تصديق من كفر به. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : من هؤلاء الذين لا يعلمون؟ قال : هم أمم كانت قبل اليهود والنصارى. وأخرج ابن جرير عن السدي قال : هم العرب ، قالوا : ليس محمد على شيء.