أذن الله فيهم بقتل ، فقتل الله به من قتل من صناديد قريش. وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) قال : من قبل أنفسهم (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) يقول : إن محمدا رسول الله. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) وقوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) ونحو هذا في العفو عن المشركين قال : نسخ ذلك كله بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (١) الآية ، وقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٢) وأخرج ابن جرير عن السدي نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) يعني : من الأعمال ، من الخير في الدنيا. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) قال تجدوا ثوابه.
(وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣))
قوله : (هُوداً) قال الفراء : يجوز أن يكون هودا بمعنى : يهوديا ، وأن يكون جمع هائد. وقال الأخفش : إن الضمير المفرد في كان هو باعتبار لفظ من ، والجمع في قوله : (هُوداً) باعتبار معنى من ؛ قيل : في هذا الكلام حذف ، وأصله : وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلّا من كان نصرانيا. هكذا قال كثير من المفسرين ، وسبقهم إلى ذلك بعض السلف. وظاهر النظم القرآني أن طائفتي اليهود والنصارى وقع منهم هذا القول ، وأنهم يختصون بذلك دون غيرهم ؛ ووجه القول : بأن في الكلام حذفا ، ما هو معلوم من أن كل طائفة من هاتين الطائفتين تضلّل الأخرى ، وتنفي عنها أنها على شيء من الدين ، فضلا عن دخول الجنة ، كما في هذا الموضع ، فإنه قد حكى الله عن اليهود أنها قالت : ليست النصارى على شيء ، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ، والأماني قد تقدّم تفسيرها ، والإشارة بقوله : تلك ، إلى ما تقدّم لهم من الأماني ، التي آخرها أنه لا يدخل الجنة غيرهم. وقيل : إن الإشارة إلى هذه الأمنية الآخرة ، والتقدير : أمثال تلك الأمنية أمانيهم ، على حذف المضاف ليطابق أمانيهم ، قوله : (هاتُوا) أصله : هاتيوا ، حذفت الضمة لثقلها ، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين ، ويقال للمفرد المذكر : هات ، وللمؤنث : هاتي ، وهو صوت بمعنى أحضر. والبرهان : الدليل الذي يحصل عنده اليقين. قال ابن جرير : طلب الدليل هنا يقتضي إثبات النظر ، ويردّ على من ينفيه. وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي : في تلك الأمانيّ المجردة والدعاوى الباطلة ، ثم ردّ عليهم فقال : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ) وهو إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة ، أي : ليس كما يقولون ، بل يدخلها من أسلم وجهه لله. ومعنى أسلم : استسلم ؛ وقيل : أخلص. وخصّ الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى من الإنسان ، ولأنه موضع الحواس الظاهرة ، وفيه يظهر
__________________
(١). التوبة : ٢٩.
(٢). التوبة : ٥.