(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥))
هذا الاستفهام فيه أبلغ دلالة على أن هذا الظلم متناه ، وانه بمنزلة لا ينبغي أن يلحقه سائر أنواع الظلم ، أي : لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله ، واسم الاستفهام في محل رفع على الابتداء ، وأظلم خبره. وقوله : (أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) قيل : هو بدل من مساجد ، وقيل إنه مفعول له ؛ بتقدير كراهية أن يذكر ؛ وقيل : إن التقدير : من أن يذكر ، ثم حذف حرف الجر لطول الكلام ؛ وقيل : إنه مفعول ثان لقوله (مَنَعَ) والمراد بمنع المساجد أن يذكر فيها اسم الله منع من يأتي إليها للصلاة ، والتلاوة ، والذكر ، وتعليمه. والمراد بالسعي في خرابها : هو السعي في هدمها ، ورفع بنيانها ، ويجوز أن يراد بالخراب : تعطيلها عن الطاعات التي وضعت لها ، فيكون أعم من قوله : (أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) فيشمل جميع ما يمنع من الأمور التي بنيت لها المساجد ، كتعلم العلم وتعليمه ، والقعود للاعتكاف ، وانتظار الصلاة ؛ ويجوز أن يراد ما هو أعم من الأمرين ، من باب عموم المجاز ، كما قيل في قوله تعالى : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ) (١) وقوله : (ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) أي : ما كان ينبغي لهم دخولها إلا حال خوفهم ، وفيه إرشاد للعباد من الله عزوجل ؛ أنه ينبغي لهم أن يمنعوا مساجد الله من أهل الكفر ، من غير فرق بين مسجد ومسجد ، وبين كافر وكافر ، كما يفيد عموم اللفظ ، ولا ينافيه خصوص السبب ، وأن يجعلوهم بحالة إذا أرادوا الدخول كانوا على وجل وخوف من أن يفطن لهم أحد من المسلمين ؛ فينزلون بهم ما يوجب الإهانة والإذلال ، وليس فيه الإذن لنا بتمكينهم من ذلك حال خوفهم ، بل هو كناية عن المنع لهم منا عن دخول مساجدنا. والخزي : قيل : هو ضرب الجزية عليهم وإذلالهم ، وقيل غير ذلك ، وقد تقدّم تفسيره. والمشرق : موضع الشروق. والمغرب : موضع الغروب ، أي : هما ملك لله ، وما بينهما من الجهات والمخلوقات ، فيشمل الأرض كلها. وقوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) أي : أيّ جهة تستقبلونها فهناك وجه الله ، أي : المكان الذي يرتضي لكم استقباله ، وذلك يكون عند التباس جهة القبلة التي أمرنا بالتوجه إليها بقوله سبحانه : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (٢) قال في الكشاف : والمعنى : أنكم إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام ، أي : في بيت المقدس ، فقد جعلت لكم الأرض مسجدا ، فصلّوا في أيّ بقعة شئتم من بقاعها ، وافعلوا التولية فيها ، فإن التولية ممكنة في كل مكان ، لا تختص أماكنها في مسجد دون مسجد ، ولا في مكان دون مكان انتهى. وهذا التخصيص لا وجه له ؛ فإن اللفظ أوسع منه. وإن كان المقصود به بيان السبب فلا بأس. وقوله : (إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) فيه إرشاد إلى سعة رحمته. وأنه يوسع على عباده في دينهم ، ولا يكلّفهم ما ليس في وسعهم ، وقيل : واسع ، بمعنى : أنه يسع علمه كل شيء ، كما قال : (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (٣) وقال الفرّاء : الواسع : الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء.
وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ؛ أن قريشا منعوا النبي صلىاللهعليهوسلم الصلاة عند الكعبة
__________________
(١). التوبة : ١٨.
(٢). البقرة : ١٤٤.
(٣). طه : ٩٨.