وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) أن هذا حق من ميثاقي عليكم (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) أي أهل الشرك حتى تسفكوا دماءكم معهم (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) قال : تخرجونهم من دياركم معهم (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) فكانوا إذا كان بين الأوس والخزرج حرب خرجت معهم بنو قينقاع مع الخزرج ، والنضير وقريظة مع الأوس وظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يسافكوا دماءهم ، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم تصديقا لما في التوراة (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ) وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم (١) (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ) في كتابكم (إِخْراجُهُمْ ، أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) أتفادونهم مؤمنين بذلك ، وتخرجونهم كفرا بذلك. وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) قال : استحبّوا قليل الدنيا على كثير الآخرة.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨))
الكتاب : التوراة ، والتقفية : الإتباع والإرداف ، مأخوذة من القفا وهو مؤخر العنق ، تقول : استقفيته : إذا جئت من خلفه ، ومنه سميت قافية الشعر لأنها تتلو سائر الكلام. والمراد أن الله سبحانه أرسل على أثره رسلا جعلهم تابعين له وهم أنبياء بني إسرائيل المبعوثون من بعده. و (الْبَيِّناتِ) الأدلة التي ذكرها الله في آل عمران والمائدة. والتأييد : التقوية. وقرأ مجاهد وابن محيصن آيّدناه بالمدّ وهما لغتان. وروح القدس من إضافة الموصوف إلى الصفة : أي الروح المقدّسة. والقدس : الطهارة ، والمقدّس : المطهر ، وقيل : هو جبريل أيّد الله به عيسى ، ومنه قول حسان :
وجبريل أمين الله (٢) فينا |
|
وروح القدس ليس به خفاء (٣) |
قال النحاس : وسمّي جبريل روحا وأضيف إلى القدس لأنه كان بتكوين الله له من غير ولادة ، وقيل : القدس هو الله عزوجل ، وروحه جبريل. وقيل : المراد بروح القدس : الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى ، وقيل : المراد به الإنجيل ؛ وقيل : المراد به الروح المنفوخ فيه ، أيده الله به لما فيه من القوّة. وقوله : (بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) أي بما لا يوافقها ويلائمها ، وأصل الهوى : الميل إلى الشيء. قال الجوهري : وسمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار. وبّخهم الله سبحانه بهذا الكلام المعنون بهمزة التوبيخ فقال :
__________________
(١). المعنى : فداء الأسرى واجب عليكم.
(٢). في القرطبي «رسول الله».
(٣). في الديوان : ليس له كفاء.