فهو الأسرى. ولا يعرف أهل اللغة ما قال أبو عمرو. وإنما هذا كما تقول سكارى وسكرى. وقد قرأ حمزة أسرى. وقرأ الباقون (أُسارى) والأسرى جمع أسير كالقتلى جمع قتيل والجرحى جمع جريح. قال أبو حاتم : ولا يجوز أسارى. وقال الزجاج : يقال : أسارى كما يقال : سكارى. وقال ابن فارس : يقال في جمع أسير أسرى وأسارى انتهى. فالعجب من أبي حاتم حيث ينكر ما ثبت في التنزيل. وقرأ به الجمهور ، والأسير مشتق من السير ، وهو القيد الذي يشدّ به المحمل ، فسمّي أسيرا لأنه يشدّ وثاقه ، والعرب تقول : قد أسر قتبه : أي شدّه ، ثم سمي كل أخيذ أسيرا وإن لم يؤخذ. وقوله : (تُفادُوهُمْ) جواب الشرط ، وهي قراءة حمزة ونافع والكسائي ، وقرأ الباقون تفدوهم. والفداء : هو ما يؤخذ من الأسير ليفكّ به أسره ، يقال فداه وفاداه : إذا أعطاه فداءه. قال الشاعر :
قفي فادي أسيرك إنّ قومي |
|
وقومك ما أرى لهم اجتماعا |
وقوله : (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) الضمير للشأن ، وقيل : مبهم تفسيره الجملة التي بعده ، وزعم الفرّاء أن هذا الضمير عماد ، واعترض عليه بأن العماد لا يكون في أوّل الكلام. و (إِخْراجُهُمْ) مرتفع بقوله : (مُحَرَّمٌ) سادّ مسدّ الخبر ، وقيل بل مرتفع بالابتداء ومحرّم خبره. قال المفسرون : كان الله سبحانه قد أخذ على بني إسرائيل أربعة عهود : ترك القتل ، وترك الإخراج ، وترك المظاهرة ، وفداء أسراهم ؛ فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء ، فوبّخهم الله على ذلك بقوله : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ). والخزي : الهوان. قال الجوهري : وخزي بالكسر يخزى خزيا : إذا ذل وهان ، وقد وقع هذا الجزاء الذي وعد الله به الملاعين اليهود موفرا ، فصاروا في خزي عظيم بما ألصق بهم من الذلّ والمهانة بالقتل والأسر وضرب الجزية والجلاء ، وإنما ردّهم الله يوم القيامة إلى أشدّ العذاب لأنهم جاءوا بذنب شديد ومعصية فظيعة. وقد قرأ الجمهور يرودن بالياء التحتية. وقرأ الحسن بالفوقية على الخطاب. وقد تقدّم تفسير قوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وكذلك تفسير (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا) وقوله : (فَلا يُخَفَّفُ) إخبار من الله سبحانه بأن اليهود لا يزالون في عذاب موفر لازم لهم بالجزية والصغار والذلة والمهانة ، فلا يخفف عنهم ذلك أبدا ما داموا ، ولا يوجد لهم ناصر يدفع عنهم ، ولا يثبت لهم نصر في أنفسهم على عدوّهم.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) قال : يؤنبهم ، أي ميثاقكم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وروى البيهقي في الشعب عن عليّ في قوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) قال : يعني الناس كلهم ، ومثله روى عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) قال : أي تركتم ذلك كله. وأخرج ابن جرير عنه أنه قال : معناه أعرضتم عن طاعتي إلا قليلا منكم وهم الذي اخترتهم لطاعتي. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله : (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) لا يقتل بعضكم بعضا (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) لا يخرج بعضكم بعضا من الديار (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) بهذا الميثاق (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) وأنتم شهود.