(أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ) منكم (بِما لا) يوافق ما تهوونه استكبرتم عن إجابته احتقارا للرسل واستبعادا للرسالة ، والفاء في قوله : (أَفَكُلَّما) للعطف على مقدّر أي آتيناكم يا بني إسرائيل من الأنبياء ما آتيناكم أفكلما جاءكم رسول. وفريقا منصوب بالفعل الذي بعده والفاء للتفصيل ، ومن الفريق المكذّبين : عيسى ومحمد ، ومن الفريق المقتولين : يحيى وزكريا. والغلف : جمع أغلف ، المراد به هنا : الذي عليه غشاوة تمنع من وصول الكلام إليه ، ومنه غلّفت السيف : أي جعلت له غلافا. قال في الكشاف : هو مستعار من الأغلف الذي لم يختن كقوله : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) (١) وقيل : إن الغلف جمع غلاف مثل حمار وحمر : أي قلوبنا أوعية للعلم فما بالها لا تفهم عنك ، وقد وعينا علما كثيرا ، فرد الله عليهم ما قالوه فقال : (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) وأصل اللعن في كلام العرب : الطرد والإبعاد ، ومنه قول الشمّاخ :
ذعرت به القطا ونفيت عنه |
|
مقام الذّئب كالرّجل اللّعين |
أي كالرجل المطرود. والمعنى : أبعدهم الله من رحمته. و (قليلا) نعت لمصدر محذوف : أي إيمانا قليلا (ما يُؤْمِنُونَ) و (ما) زائدة ، وصف إيمانهم بالقلة لأنهم الذين قصّ الله علينا من عنادهم وعجرفتهم وشدّة لجاجهم ، وبعدهم عن إجابة الرسل ما قصه ، ومن جملة ذلك أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. وقال معمر : المعنى لا يؤمنون إلا قليلا مما في أيديهم ويكفرون بأكثره ، وعلى هذا يكون قليلا منصوبا بنزع الخافض. وقال الواقدي : معناه لا يؤمنون قليلا ولا كثيرا. قال الكسائي : تقول العرب مررنا بأرض قلّ ما تنبت الكراث والبصل أي لا تنبت شيئا.
وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عباس في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعني به التوراة جملة واحدة مفصلة محكمة (وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) يعني رسولا يدعى أشمويل بن بابل ، ورسولا يدعى منشابيل ، ورسولا يدعى شعياء ، ورسولا يدعى حزقيل ، ورسولا يدعى أرمياء وهو الخضر ، ورسولا يدعى داود وهو أبو سليمان ، ورسولا يدعى المسيح عيسى ابن مريم ، فهؤلاء الرسل ابتعثهم الله وانتخبهم من الأمة بعد موسى فأخذنا عليهم ميثاقا غليظا ، أن يؤدوا إلى أمتهم صفة محمد صلىاللهعليهوسلم وصفة أمته. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) قال : هي الآيات التي وضع على يديه من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير ، وإبراء الأسقام. والخبر بكثير من الغيوب ، وما رد عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث الله إليه. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَأَيَّدْناهُ) قال : قوّيناه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : روح من القدس الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : القدس : الله تعالى. وأخرج عن الربيع بن أنس مثله. وأخرج عن ابن عباس قال : القدس : الطهر. وأخرج عن السدّي قال : القدس : البركة. وأخرج عن إسماعيل بن أبي خالد أن روح القدس : جبريل. وأخرج عن ابن مسعود مثله. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن جابر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : روح القدس جبريل. وقد ثبت في الصحيح أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «اللهمّ أيّد حسان بروح
__________________
(١). فصلت : ٥.