وهذا قول سيبويه. وقرأ عيسى بن عمر حسنا بضمتين. والظاهر أن هذا القول الذي أمرهم الله به لا يختص بنوع معين ، بل كل ما صدق عليه أنه حسن شرعا كان من جملة ما يصدق عليه هذا الأمر. وقد قيل : إن ذلك هو كلمة التوحيد ، وقيل : الصدق ، وقيل : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقيل : غير ذلك. وقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) قد تقدّم تفسيره ، وهو خطاب لبني إسرائيل ، فالمراد الصلاة التي كانوا يصلّونها ، والزكاة التي كانوا يخرجونها. قال ابن عطية : وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها فتنزل النار على ما يقبل ، ولا تنزل على ما لا يقبل. وقوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) قيل : الخطاب للحاضرين منهم في عصر النبيّ صلىاللهعليهوسلم لأنهم مثل سلفهم في ذلك ، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب. وقوله : (إِلَّا قَلِيلاً) منصوب على الاستثناء ، ومنهم عبد الله بن سلام وأصحابه. وقوله : (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) في موضع النصب على الحال ، والإعراض والتولّي بمعنى واحد ، وقيل : التولّي بالجسم ، والإعراض بالقلب. وقوله : (لا تَسْفِكُونَ) الكلام فيه كالكلام في : لا تعبدون ، وقد سبق. وقرأ طلحة بن مصرف وشعيب بن أبي حمزة بضم الفاء ، وهي لغة. وقرأ أبو نهيك بضم التاء وتشديد الفاء وفتح السين. والسفك : الصبّ ، وقد تقدّم ؛ والمراد أنه لا يفعل ذلك بعضهم ببعض. والدار : المنزل الذي فيه أبنية المقام ، بخلاف منزل الارتحال. وقال الخليل : كل موضع حلّه قوم فهو دار لهم وإن لم يكن فيه أبنية ؛ وقيل سميت دارا لدورها على سكانها ، كما يسمّى الحائط حائطا لإحاطته على ما يحويه. وقوله : (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) من الإقرار : أي حصل منكم الاعتراف بهذا الميثاق المأخوذ عليكم في حال شهادتكم على أنفسكم بذلك ؛ قيل : الشهادة هنا بالقلوب وقيل : هي بمعنى الحضور. أي أنكم الآن تشهدون على أسلافكم بذلك ، وكان الله سبحانه قد أخذ في التوراة على بني إسرائيل أن لا يقتل بعضهم بعضا ولا ينفيه ولا يسترقه. وقوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) أي أنتم هؤلاء المشاهدون الحاضرون تخالفون ما أخذه الله عليكم في التوراة فتقتلون أنفسكم إلى آخر الآية ؛ وقيل : إن هؤلاء منصوب بإضمار أعني ؛ ويمكن أن يقال : منصوب بالذم أو الاختصاص : أذمّ أو أخص. وقال القتبي : إن التقدير يا هؤلاء. قال النحاس : هذا خطأ على قول سيبويه لا يجوز. وقال الزجّاج : هؤلاء بمعنى الذين ، أي ثم أنتم الذين تقتلون. وقيل : هؤلاء مبتدأ وأنتم : خبر مقدّم ، وقرأ الزهري : (تقتلون) مشدّدا ، فمن جعل قوله : (أَنْتُمْ هؤُلاءِ) مبتدأ وخبرا جعل قوله : (تَقْتُلُونَ) بيانا لأن معنى قوله : (أَنْتُمْ هؤُلاءِ) أنهم على حالة كحالة أسلافهم من نقض الميثاق. ومن جعل هؤلاء منادى أو منصوبا بما ذكرنا جعل الخبر تقتلون وما بعده. وقوله : تظّاهرون بالتشديد ، وأصله تتظاهرون أدغمت التاء في الظاء لقربها منها في المخرج ، وهي قراءة أهل مكة. وقرأ أهل الكوفة : (تَظاهَرُونَ) مخففا بحذف التاء الثانية ، لدلالة الأولى عليها. وأصل المظاهرة : المعاونة ، مشتقة من الظهر لأن بعضهم يقوي بعضا فيكون له كالظهر ، ومنه قول الشاعر :
تظاهرتم من كلّ أوب ووجهة |
|
على واحد لا زلتم قرن واحد |
ومنه قوله تعالى : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) (١) وقوله : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (٢). و (أُسارى) حال. قال أبو عبيد وكان أبو عمرو يقول : ما صار في أيديهم فهو أسارى ، وما جاء مستأسرا
__________________
(١). الفرقان : ٥٥.
(٢). التحريم : ٤.