عفان : ما تمنيت منذ أسلمت : أي ما كذبت ، حكاه عنه القرطبي في تفسيره ، وقيل : الأمانيّ : التلاوة ، ومنه قوله تعالى : (إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) (١) أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته ، أي لا علم لهم إلا مجرد التلاوة من دون تفهم وتدبر ، ومنه قول كعب بن مالك :
تمنّى كتاب الله أوّل ليله |
|
وآخره لاقى حمام المقادر |
وقال آخر :
تمنّى كتاب الله آخر ليله |
|
تمنّى داود الزّبور على رسل |
وقيل : الأماني : التقدير. قال الجوهري : يقال : منّى له : أي قدّر ، ومنه قول الشاعر :
لا تأمننّ وإن أمسيت في حرم |
|
حتّى تلاقي ما يمني لك الماني |
أي يقدر لك المقدر. قال في الكشاف : والاشتقاق من منى إذا قدّر ، لأن المتمني يقدر في نفسه ويجوّز ما يتمناه ، وكذلك المختلق والقارئ يقدران كلمة كذا بعد كذا. انتهى. (وَإِنْ) في قوله : (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) نافية : أي ما هم ، والظنّ : هو التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم ، كذا في القاموس ، أي ما هم إلا يترددون بغير جزم ولا يقين ؛ وقيل : الظن هنا بمعنى الكذب ؛ وقيل : هو مجرد الحدس. لما ذكر الله سبحانه أهل العلم منهم بأنهم غير عاملين بل يحرّفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ، ذكر أهل الجهل منهم بأنهم يتكلمون على الأمانيّ ويعتمدون على الظن الذي لا يقفون من تقليدهم على غيره ولا يظفرون بسواه. والويل : الهلاك. وقال الفرّاء : الأصل في الويل وي : أي حزن ، كما تقول : وي لفلان : أي حزن له ، فوصلته العرب باللام ، قال الخليل : ولم نسمع على بنائه إلا ويح ، وويس ، وويه ، وويك ، وويب ، وكله متقارب في المعنى ، وقد فرّق بينها قوم وهي مصادر لم ينطق العرب بأفعالها ، وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لأن فيه معنى الدعاء. والكتابة معروفة ، والمراد : أنهم يكتبون الكتاب المحرّف ولا يبينون ولا ينكرونه على فاعله. وقوله : (بِأَيْدِيهِمْ) تأكيد لأن الكتابة لا تكون إلا باليد فهو مثل قوله : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) (٢) قوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) وقال ابن السراج : هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم. وفيه أنه قد دلّ على أنه من تلقائهم قوله : (يَكْتُبُونَ الْكِتابَ) فإسناد الكتابة إليهم يفيد ذلك. والاشتراء : الاستبدال ، وقد تقدّم الكلام عليه ، ووصفه بالقلة لكونه فانيا لا ثواب فيه ، أو لكونه حراما لا تحلّ به البركة ، فهؤلاء الكتبة لم يكتفوا بالتحريف ولا بالكتابة لذلك المحرّف حتى نادوا في المحافل بأنه من عند الله ، لينالوا بهذه المعاصي المتكرّرة هذا الغرض النزير والعوض الحقير. وقوله : (مِمَّا يَكْسِبُونَ) قيل : من الرشا ونحوها ؛ وقيل : من المعاصي ، وكرر الويل تغليظا عليهم وتعظيما لفعلهم وهتكا لأستارهم (وَقالُوا) أي اليهود (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) الآية. وقد اختلف في سبب نزول الآية كما سيأتي بيانه. والمراد بقوله : (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) الإنكار عليهم لما صدر منهم من هذه الدعوى الباطلة أنها لن تمسهم النار إلا أياما معدودة : أي لم يتقدّم لكم مع الله عهد بهذا ، ولا أسلفتم من الأعمال الصالحة ما يصدق هذه
__________________
(١). الحج : ٥٢.
(٢). الأنعام : ٣٨.