لهم حجّة عليكم. وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة أن السبب في نزول الآية : «أنّ امرأة من اليهود أصابت فاحشة ، فجاؤوا إلى النّبي صلىاللهعليهوسلم يبتغون منه الحكم رجاء الرخصة ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عالمهم وهو ابن صوريا فقال له : احكم ... قال : فجبّوه ، والتجبية : يحملونه على حمار ويجعلون وجهه إلى ذنب الحمار ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أبحكم الله حكمت؟ قال : لا ، ولكن نساءنا كنّ حسانا فأسرع فيهنّ رجالنا فغيّرنا الحكم ، وفيه نزل : (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) الآية» وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا : آمَنَّا) فصانعوهم بذلك ليرضوا عنهم (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) نهى بعضهم بعضا أن يحدثوا بما فتح الله عليهم وبيّن لهم في كتابه من أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ونعته ونبوّته وقالوا : إنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا بذلك عليكم عند ربكم (أَفَلا تَعْقِلُونَ أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) قال : ما يعلنون من أمرهم وكلامهم إذا لقوا الذين آمنوا ، وما يسرّون إذا خلا بعضهم إلى بعض من كفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم وتكذيبهم به وهم يجدونه مكتوبا عندهم. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله : (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) يعني من كفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ولكذبهم ، وما يعلنون حين قالوا للمؤمنين آمنا ، وقد قال بمثل هذا جماعة من السلف.
(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩) وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢))
قوله : (وَمِنْهُمْ) أي من اليهود. والأميّ منسوب إلى الأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها من أمهاتها لم تتعلم الكتابة ولا تحسن القراءة للمكتوب ، ومنه حديث «إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب» وقال أبو عبيدة : إنما قيل لهم أميون لنزول الكتاب عليهم كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب ، فكأنه قال : ومنهم أهل الكتاب ، وقيل : هم نصارى العرب ؛ وقيل : هم قوم كانوا أهل كتاب فرفع كتابهم لذنوب ارتكبوها ؛ وقيل : هم المجوس ؛ وقيل غير ذلك والراجح الأوّل. ومعنى (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) أنه لا علم لهم به إلا ما هم عليه من الأمانيّ التي يتمنونها ويعلّلون بها أنفسهم. والأماني : جمع أمنية وهي ما يتمناه الإنسان لنفسه ، فهؤلاء لا علم لهم بالكتاب الذي هو التوراة لما هم عليه من كونهم لا يكتبون ولا يقرءون المكتوب ، والاستثناء منقطع : أي لكن الأمانيّ ثابتة لهم من كونهم مغفورا لهم بما يدّعونه لأنفسهم من الأعمال الصالحة ، أو بما لهم من السلف الصالح في اعتقادهم ؛ وقيل الأمانيّ الأكاذيب كما سيأتي عن ابن عباس. ومنه قول عثمان بن