الدعوى حتى يتعين الوفاء بذلك وعدم إخلاف العهد : أي إن اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون. قال في الكشاف : و «أم» إما أن تكون معادلة بمعنى أيّ الأمرين كائن على سبيل التقرير ، لأن العلم واقع بكون أحدهما ، ويجوز أن تكون منقطعة. انتهى ، وهذا توبيخ لهم شديد. قال الرازي في تفسيره : العهد في هذا الموضع يجري مجرى الوعد ، وإنما سمّى خبره سبحانه عهدا لأن خبره أوكد من العهود المؤكدة. وقوله : (بَلى) إثبات بعد النفي : أي بلى تمسكم لا على الوجه الذي ذكرتم من كونه أياما معدودة. والسيئة : المراد بها الجنس هنا ، ومثله قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) ثم أوضح سبحانه أن مجرد كسب السيئة لا يوجب الخلود في النار ، بل لا بد أن تكون سيئته محيطة به ؛ قيل هي الشرك وقيل الكبيرة. وتفسيرها بالشرك أولى لما ثبت في السنة تواترا من خروج عصاة الموحدين من النار ، ويؤيد ذلك كونها نازلة في اليهود وإن كان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقد قرأ نافع (خطيئاته) بالجمع ، وقرأ الباقون بالإفراد ، وقد تقدم تفسير الخلود.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) قال : لا يدرون ما فيه (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) قال : وهم يجحدون نبوّتك بالظن. وأخرج ابن جرير عنه قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله فكتبوا كتابا بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سفلة جهّال هذا من عند الله. وقد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ، ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله. وأخرج ابن جرير عن النخعي قال : منهم من لا يحسن أن يكتب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (إِلَّا أَمانِيَ) قال : الأحاديث. وأخرج ابن جرير عنه أنها الكذب. وكذا روى مثله عبد ابن حميد عن مجاهد ، وزاد (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) قال : إلا يكذبون. وأخرج النسائي وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ) قال : نزلت في أهل الكتاب. وأخرج أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ، وصحّحه عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ويل : واد في جهنّم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره» وأخرج ابن جرير من حديث عثمان مرفوعا قال : «الويل : جبل في النار» وأخرج البزار وابن مردويه من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا أنه حجر في النار. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ) قال : هم أحبار اليهود ، وجدوا صفة النبي صلىاللهعليهوسلم مكتوبة في التوراة أكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه ، فلما وجدوه في التوراة محوه حسدا وبغيا ، فأتاهم نفر من قريش فقالوا : تجدون في التوراة نبيا أميا؟ فقالوا : نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر ، فأنكرت قريش وقالوا : ليس هذا منا. وأخرج ابن جرير عنه في قوله : (ثَمَناً قَلِيلاً) قال : عرضا من عرض الدنيا (فَوَيْلٌ لَهُمْ) قال : فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب (وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) يقول : مما يأكلون به ، الناس السفلة وغيرهم. وقد ذكر صاحب الدرّ المنثور آثارا عن جماعة من السلف أنهم كرهوا بيع المصاحف مستدلين بهذه الآية ، ولا دلالة فيها على ذلك ، ثم ذكر آثارا عن جماعة منهم أنهم جوّزوا ذلك ولم يكرهوه. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن