لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم. وقوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) قيل : في الكلام حذف ؛ أي فقتلتم أنفسكم فتاب عليكم : أي على الباقين منكم. وقيل هو جواب شرط محذوف كأنه قال : فإن فعلتم فقد تاب عليكم. وأما ما قاله صاحب الكشاف من أنه يجوز أن يكون خطابا من الله لهم على طريقة الالتفات فيكون التقدير : ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم ، فهو بعيد جدا كما لا يخفى. وقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله : (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) قال : ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة. وقد أخرج ابن جرير عنه في قوله : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) قال : من بعد ما اتخذتم العجل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ) قال : الكتاب هو الفرقان ، فرق بين الحق والباطل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : الفرقان جماع اسم التوراة والإنجيل والزبور والقرآن. وأخرج ابن جرير عنه قال : أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتلوا أنفسهم ، واختبأ الذين عكفوا على العجل فجلسوا ، وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة ، فجعل يقتل بعضهم بعضا ، فانجلت الظلمة عنهم عن سبعين ألف قتيل ، كل من قتل منهم كانت له توبة ، وكل من بقي كانت له توبة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عليّ قال : قالوا لموسى ما توبتنا؟ قال : يقتل بعضكم بعضا ، فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه لا يبالي من قتل ، حتى قتل منهم سبعون ألفا ، فأوحى الله إلى موسى : مرهم فليرفعوا أيديهم ، وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقي. وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة ، وأخرج أحمد في الزهد ، وابن جرير ، عن الزهري نحوا مما سبق. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : (إِلى بارِئِكُمْ) قال : خالقكم.
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧))
قوله : (وَإِذْ قُلْتُمْ) هذه الجملة معطوفة على التي قبلها ، وظاهر السياق أن القائلين هذه المقالة هم قوم موسى ، وقيل : هم السبعون الذين اختارهم ، وذلك أنهم لما سمعوا كلام الله قالوا له بعد ذلك هذه المقالة ، فأرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم دعا موسى ربّه فأحياهم ، كما قال تعالى هنا : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) وسيأتي ذلك في الأعراف إن شاء الله. والجهرة : المعاينة ، وأصلها الظهور ، ومنه الجهر بالقراءة والمجاهرة بالمعاصي ؛ ورأيت الأمر جهرة وجهارا ، أي غير مستتر بشيء ، وهي مصدر واقع موقع الحال. وقرأ ابن عباس جهرة بفتح الهاء وهي لغتان مثل زهرة وزهرة ، ويحتمل أن يكون على هذه القراءة جمع جاهر. والصاعقة : قد تقدم تفسيرها ، وقرأ عمر وعثمان وعليّ : الصّعقة وهي قراءة ابن محيصن ، والمراد بأخذ الصاعقة إصابتها إياهم (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) في محل نصب على الحال ، والمراد من هذا النظر الكائن منهم أنهم نظروا أوائل الصاعقة النازلة بهم الواقعة عليهم لا آخرها الذي ماتوا عنده ؛ وقيل : المراد بالصاعقة