بأنها أربعون ليلة ، وإنما سمّاهم ظالمين لأنهم أشركوا بالله وخالفوا موعد نبيهم عليهالسلام ، والجملة في موضع نصب على الحال. وقوله : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي من بعد عبادتكم العجل ، وسمّي العجل عجلا لاستعجالهم عبادته كذا قيل ، وليس بشيء لأن العرب تطلق هذا الاسم على ولد البقر. وقد كان جعله لهم السامريّ على صورة العجل. وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي لكي تشكروا ما أنعم الله به عليكم من العفو عن ذنبكم العظيم الذي وقعتم فيه. وأصل الشكر في اللغة : الظهور من قولهم : دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف. قال الجوهري : الشكر : الثناء على المحسن بما أولاك من المعروف ، يقال شكرته وشكرت له ، وباللام أفصح ، وقد تقدّم معناه ، والشكران خلاف الكفران. والكتاب : التوراة بالإجماع من المفسرين. واختلفوا في الفرقان ؛ وقال الفراء وقطرب : المعنى آتينا موسى التوراة ومحمدا الفرقان. وقد قيل إن هذا غلط أوقعهما فيه أن الفرقان مختص بالقرآن وليس كذلك ، فقد قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) (١) وقال الزجّاج : إن الفرقان هو الكتاب أعيد ذكره تأكيدا. وحكي نحوه عن الفرّاء ، ومنه قول عنترة :
حيّيت من طلل تقادم عهده |
|
أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم |
وقيل : إن الواو صلة ، والمعنى آتينا موسى الكتاب الفرقان ، والواو قد تزاد في النعوت كقول الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
وقيل المعنى : أن ذلك المنزل جامع بين كونه كتابا وفارقا بين الحق والباطل ، وهو كقوله : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) (٢) وقيل : الفرقان : الفرق بينهم وبين قوم فرعون ، أنجى هؤلاء وأغرق هؤلاء. وقال ابن زيد : الفرقان : انفراق البحر ؛ وقيل : الفرقان : الفرج من الكرب ؛ وقيل : إنه الحجة والبيان بالآيات التي أعطاه الله من العصا واليد وغيرهما ، وهذا أولى وأرجح ، ويكون العطف على بابه كأنه قال : آتينا موسى التوراة والآيات التي أرسلناه بها معجزة له. قوله : (يا قَوْمِ) القوم يطلق تارة على الرجال دون النساء ، ومنه قول زهير :
وما أدري وسوف إخال أدري |
|
أقوم آل حصن أم نساء |
ومنه قوله تعالى : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) (٣) ، ثم قال : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) (٤) ، ومنه : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) (٥) أراد الرجال ، وقد يطلق على الجميع كقوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) (٦) والمراد هنا بالقوم عبدة العجل. والبارئ : الخالق ، وقيل إن البارئ هو المبدع المحدث ، والخالق هو المقدّر الناقل من حال إلى حال ، وفي ذكر البارئ هنا إشارة إلى عظيم جرمهم : أي فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره. والفاء في قوله : (فَتُوبُوا) للسببية : أي لتسبب التوبة عن الظلم ، وفي قوله : (فَاقْتُلُوا) للتعقيب : أي اجعلوا القتل متعقبا للتوبة. قال القرطبي : وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده ؛ قيل : قاموا صفين وقتل بعضهم بعضا ؛ وقيل : وقف الذين عبدوا العجل ودخل الذين
__________________
(١). الأنبياء : ٤٨.
(٢). الأنعام : ١٥٤.
(٣). الحجر : ١١.
(٤). الحجر : ١١.
(٥). الأعراف : ٨٠.
(٦). نوح : ١.