الموت ، واستدل عليه بقوله : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) ولا موجب للمصير إلى هذا التفسير ، لأن المصعوق قد يموت كما في هذه الآية ، وقد يغشى عليه ثم يفيق كما في قوله تعالى : (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ) (١) ومما يوجب بعد ذلك قوله : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) فإنها لو كانت الصاعقة عبارة عن الموت لم يكن لهذه الجملة كبير معنى ، بل قد يقال : إنه لا يصح أن ينظروا الموت النازل بهم إلا أن يكون المراد نظر الأسباب المؤثرة للموت. والمراد بقوله : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) الإحياء لهم لوقوعه بعد الموت ، وأصل البعث : الإثارة للشيء من محله ، يقال : بعثت الناقة : أي أثرتها ، ومنه قول امرئ القيس :
وفتيان صدق قد بعثت بسحرة |
|
فقاموا جميعا بين عاث ونشوان (٢) |
وقول عنترة :
وصحابة شمّ الأنوف بعثتهم |
|
ليلا وقد مال الكرى بطلاها |
وإنما عوقبوا بأخذ الصاعقة لهم لأنهم طلبوا ما لم يأذن الله به من رؤيته في الدنيا. وقد ذهبت المعتزلة ومن تابعهم إلى إنكار الرؤية في الدنيا والآخرة ، وذهب من عداهم إلى جوازها في الدنيا والآخرة ووقوعها في الآخرة. وقد تواترت الأحاديث الصحيحة بأن العباد يرون ربّهم في الآخرة ، وهي قطعية الدلالة لا ينبغي لمنصف أن يتمسك في مقابلها بتلك القواعد الكلامية التي جاء بها قدماء المعتزلة ، وزعموا : أن العقل قد حكم بها دعوى مبنية على شفا جرف هار ، وقواعد لا يغترّ بها إلا من لم يحظ من العلم النافع بنصيب ، وسيأتيك إن شاء الله بيان ما تمسكوا به من الأدلة القرآنية ، وكلها خارج عن محل النزاع بعيد من موضع الحجة ، وليس هذا موضع المقال في هذه المسألة. قوله : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) أي جعلناه كالظلة. والغمام : جمع غمامة كسحابة وسحاب ، قاله الأخفش. وقال الفرّاء : ويجوز غمائم. وقد ذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبّارين. والمنّ : قيل : هو الترنجبين. قال النحاس : هو بتشديد الراء وإسكان النون ، ويقال : الطرنجبين بالطاء ، وعلى هذا أكثر المفسرين ، وهو طلّ ينزل من السماء على شجر أو حجر ، ويحلو وينعقد عسلا ، ويجفّ جفاف الصمغ ، ذكر معناه في القاموس ؛ وقيل : إن المنّ العسل ؛ وقيل : شراب حلو ؛ وقيل : خبز الرقاق ؛ وقيل : إنه مصدر يعمّ جميع ما منّ الله به على عباده من غير تعب ولا زرع ؛ ومنه ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد بن زيد عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أنّ الكمأة من المنّ الذي أنزل على موسى». وقد ثبت مثله من حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي ، ومن حديث جابر وأبي سعيد وابن عباس عند النسائي. والسلوى : قيل هو السّمانى ، كحبارى طائر يذبحونه فيأكلونه. قال ابن عطية : السلوى طير بإجماع المفسرين ، وقد غلط الهذلي فقال :
وقاسمهما بالله جهدا لأنتما |
|
ألذّ من السّلوى إذا ما نشورها |
__________________
(١). الأعراف : ١٤٣.
(٢). بسحرة : السّحرة : وقت السّحر. العاثي : المتناول للشيء وكثر في استعمال العرب في الفساد.