أى : كلا لا وزر ولا ملجأ لك. أيها الإنسان ـ من المثول أمام ربك في هذا اليوم للحساب والجزاء.
ومهما طال عمرك ، وطال رقادك في قبرك .. فإلى ربك وحده نهايتك ومستقرك ومصيرك ، في هذا اليوم الذي لا محيص لك عنه.
وقوله ـ سبحانه ـ (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) بيان لما يحدث له يوم القيامة ، أى : يخبر الإنسان في هذا اليوم بما قدم من أعمال حسنة. وبما أخر منها فلم يعملها ، مع أنه كان في إمكانه أن يعملها ، والمقصود بالآية المجازاة على الأعمال لا مجرد الإخبار.
قال الإمام ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) أى : يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها أولها وآخرها ، صغيرها وكبيرها ، كما قال ـ سبحانه ـ : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (١).
ثم أكد ـ سبحانه ـ هذا المعنى بقوله : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ).
والبصيرة هنا بمعنى الحجة المشاهدة عليه ، وهي خبر عن المبتدأ وهو (الْإِنْسانُ) والجار والمجرور متعلق بلفظ بصيرة والهاء فيها للمبالغة ، مثل هاء علامة ونسابة.
أى : بل الإنسان حجة بينة على نفسه ، وشاهدة بما كان منه من الأعمال السيئة ، ولو أدلى بأية حجة يعتذر بها عن نفسه. لم ينفعه ذلك.
قال صاحب الكشاف : (بَصِيرَةٌ) أى : حجة بينة ، وصفت بالبصارة على المجاز ، كما وصفت الآيات بالإبصار في قوله : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) أو : عين بصيرة والمعنى أنه ينبأ بأعماله ، وإن لم ينبأ ففيه ما يجزئ عن الإنباء ، لأنه شاهد عليها بما عملت ، لأن جوارحه تنطق بذلك ، كما قال ـ تعالى ـ (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
(وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) أى : ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن نفسه ويجادل عنها.
وعن الضحاك : ولو أرخى ستوره ، وقال : المعاذير : الستور ، واحدها معذار ، فإن صح فلأنه يمنع رؤية المحتجب ، كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب ..
فإن قلت : أليس قياس المعذرة أن تجمع معاذر لا معاذير؟ قلت : المعاذير ليس بجمع معذرة ، إنما هو اسم جمع لها. ونحوه : المناكير في المنكر (٢).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٣٠٢.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٦١.