أطلعه الله ـ تعالى ـ على أمرهم ، فقال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كي لا يسمعه رب محمد .. (١).
وصيغة الأمر في قوله : (وَأَسِرُّوا) و (اجْهَرُوا) مستعملة في التسوية بين الأمرين ، كما في قوله ـ تعالى ـ (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا ...).
أى : إن إسراركم ـ أيها الكافرون ـ بالإساءة إلى نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم أو جهركم بهذه الإساءة ، يستويان في علمنا ، لأننا لا يخفى علينا شيء من أحوالكم ، فسواء عندنا من أسر منكم القول ومن جهر به.
وجملة (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) تعليل للتسوية المستفادة من صيغة الأمر أى : سواء في علمه ـ تعالى ـ إسراركم وجهركم ، لأنه ـ سبحانه ـ عليم علما تاما بما يختلج في صدوركم ، وما يدور في نياتكم التي هي بداخل قلوبكم.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).
ثم أكد ـ سبحانه ـ شمول علمه لكل شيء بقوله : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
واللطيف من اللطف ، وهو العالم بخبايا الأمور ، والمدبر لها برفق وحكمة ويسر ..
والخبير : من الخبر ، وهو العلم بجزئيات الأشياء الخفية ، التي من شأنها أن يخبر الناس بعضهم بعضا بحدوثها ، لأنها كانت خافية عليهم.
ولفظ (مَنْ) في قوله (مَنْ خَلَقَ) يصح أن يكون مفعولا لقوله (يَعْلَمُ) ، والعائد محذوف أى : ألا يعلم الله ـ تعالى ـ شأن الذين خلقهم ، والحال أنه ـ سبحانه ـ هو الذي لطف علمه ودق ، إذ هو المدبر لأمور خلقه برفق وحكمة ، العليم علما تاما بأسرار النفوس وخبايا ما توسوس به ..
ويجوز أن يكون (مَنْ) فاعلا لقوله (يَعْلَمُ) على أن المقصود به ذاته ـ تعالى ـ ، ويكون مفعول يعلم محذوفا للعلم به ، والمعنى : ألا يعلم السر ومضمرات القلوب الله الذي خلق كل شيء وأوجده ، وهو ـ سبحانه ـ الموصوف بأنه لطيف خبير.
والاستفهام على الوجهين لإنكار ما زعمه المشركون من انتفاء علمه ـ تعالى ـ بما يسرونه فيما بينهم ، حيث قال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كي لا يسمعه رب محمد.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢١٤.