(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) أى : ألم يأتكم يا معشر الكافرين نذير في الدنيا ، ينذركم ويخوفكم من أهوال هذا اليوم ، ويدعوكم إلى إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وحده.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما رد به الكافرون على خزنة جهنم فقال : (قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ ..).
أى : قال الكافرون ـ على سبيل التحسر والتفجع ـ في ردهم على خزنة جهنم : بلى لقد جاءنا المنذر الذي أنذرنا وحذرنا من سوء عاقبة الكفر .. ولكننا كذبناه ، وأعرضنا عن دعوته ، بل وتجاوزنا ذلك بأن قلنا له على سبيل العناد والجحود والغرور : ما نزل الله على أحد من شيء من الأشياء التي تتلوها علينا ، وتأمرنا بها ، أو تنهانا عن مخالفتها.
وقوله : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) يحتمل أنه من كلام الكافرين لرسلهم الذين أنذروهم وحذروهم من الإصرار على الكفر.
أى : جاءنا الرسل الذين أنذرونا .. فكذبناهم ، وقلنا لهم : ما نزل الله من شيء من الأشياء على ألسنتكم .. وقلنا لهم ـ أيضا ـ ما أنتم إلا في ضلال كبير ، أى : في ذهاب واضح عن الحق ، وبعد شديد عن الصواب.
ويحتمل أن يكون من كلام الملائكة ، أى : قال لهم الملائكة على سبيل التجهيل والتوبيخ : ما أنتم ـ أيها الكافرون ـ إلا في ضلال كبير ، بسبب تكذيبكم لرسلكم ، وإعراضكم عمن حذركم وأنذركم.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) من المخاطبون به؟
قلت : هو من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين ، على أن النذير بمعنى الإنذار. والمعنى : ألم يأتكم أهل نذير : أو وصف به منذروهم لغلوهم في الإنذار ، كأنهم ليسوا إلا إنذارا ..
ويجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول : أرادوا حكاية ما كانوا عليه من ضلالهم في الدنيا ، أو أرادوا بالضلال : الهلاك .. (١).
وجمع ـ سبحانه ـ الضمير في قوله (إِنْ أَنْتُمْ ..) مع أن الملائكة قد سألوهم (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) بالإفراد ، للإشعار بأن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بتكذيب النذير الذي أنذرهم ، بل كذبوه وأتباعه الذين آمنوا به.
فكأن كل فوج منهم كان يقول للرسول الذي جاء لهدايته : أنت وأتباعك في ضلال كبير.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٧٨.