وهذا الدعاء يشعر بأن فرعون وقومه ، قد صدوها عن الإيمان ، وهددوها بأنها إن آمنت .. حرموها من قصر فرعون ، وزينته وفخامته.
كما أنها سألت ربها ـ عزوجل ـ أن ينجيها من ذات فرعون ، ومن عمله السيئ ، ومن كل من حام حول فرعون ، واتبعه في طغيانه وكفره.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ ..) معطوف على (امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ...).
أى : وضرب الله ـ تعالى ـ مثلا آخر للمؤمنين مريم ابنة عمران ...
(الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) أى حفظته وصانته ، إذ الإحصان جعل الشيء حصينا ، بحيث لا يتوصل إليه ، وهو كناية عن عفتها وطهارتها وبعدها عن كل فاحشة ..
وقوله (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) مفرع على ما قبله.
قال الآلوسى : قوله : (فَنَفَخْنا فِيهِ) النافخ رسوله جبريل ـ عليهالسلام ـ فالإسناد مجازى. وقيل الكلام على حذف مضاف ، أى : فنفخ رسولنا ، وضمير (فِيهِ) للفرج.
واشتهر أن جبريل ـ عليهالسلام ـ نفخ في جيبها فوصل أثر ذلك إلى الفرج.
وقال الفراء : ذكر المفسرون أن الفرج جيب درعها ، وهو محتمل لأن الفرج معناه في اللغة ، كل فرجة بين شيئين ، وموضع جيب درع المرأة مشقوق فهو فرج ، وهذا أبلغ في الثناء عليها ، لأنها إذا منعت جيب درعها ، فهي للنفس أمنع .. (١).
أى : فنفخ رسولنا جبريل في فرجها أو في جيب درعها ، روحا من أرواحنا هي روح عبدنا ونبينا عيسى ـ عليهالسلام ـ.
وإضافة الروح إلى ذاته ـ تعالى ـ لأنه هو الخالق والموجد وللإشارة إلى أن تكوين المخلوق الحي في رحمها ، كان على غير الأسباب المعتادة.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) زيادة في مدحها ، وفي الثناء عليها ..
أى : وكان من صفات مريم ابنة عمران أنها آمنت إيمانا حقا (بِكَلِماتِ رَبِّها) أى : بشرائعه التي شرعها لعباده ، وبما ألقاه إليها من إرشادات عن طريق وحيه.
(وَكُتُبِهِ) أى : وصدقت بكتبه التي أنزلها على أنبيائه. وقرأ الجمهور وكتابه
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٦٤.